أقلام ثقافية
منى الصالح: نوافذ من نور

(اقترب ممن يفتحون في روحك نوافذ من نور ويقولون لك.. أنه في وسعك أن تضيء العالم).. شمس الدين التبريزي
تستهوني الروايات والأفلام ذات البعد الروحي أو الصوفي فهي تلامس شيئا في الأعماق .
فلم ٩٠دقيقة في الجنة لعام ٢٠١٥ يعتبر ليس حديثا كما أن الفكرة مطروحة في العديد من الأفلام حول قس شاب ومحب يتعرض لحادث يموت لمدة ٩٠ د ومن ثم يعود للحياة ليمر برحلة استشفاء مريرة، لن أتوقف عند التصوير والأخراج والتمثيل بل عند نقطتين:-
- المعجزة في الإيمان نفسه، فلا تنفرد الأديان السماوية بالمعجزات الإيمانية، بل حتى الأديان الوضعيه، فحالة الإيمان بحد ذاتها وعمقها في الوجود البشري،والحاجة الفطرية لهذا الإيمان الذي لولاه لأصبحت الحياة قفراء لامعنى لها، ولا أمل يحيل سواد الليالي لنور يضيء الدرب المعتم، لولاه لم تهدهد الأم وليدها، لتهمس في أذن الكون آيات الحفظ والصون، وبدونه ماكانت مواويل المتعبين تهدأ موج البحر الهائج وكما يقول الرفاعي (انا كائن ميتافيزيقي لا تتحقق ذاتي الا حين يتحقق إيماني”، فلا سكينة وسلام يعم هذا الكون ''وحده الإيمان يثري وجودنا ويكرسه، إن كان الإيمان يتكلم لغة المحبة والرحمة والسلام”الرفاعي من كتاب (الدين والظمأ الأنطلوجي)، وقد تكون هي رسالة الفلم التي سعت لنشرها أن الجنة حقيقتها بهذا الإيمان الذي يجعل الإنسان قادر على تحمل أشد الآلام والعذاب توقا لها .
- الفلم يسلط الضوء على نقطة جدا هامة والكثير منا يستشعرها وخاصة الذين يعمر قلوبهم حب الآخرين ورسالتهم خدمة ومساعدة الناس ( لماذا لا تسمح للآخرين مد يد المساعدة لك وخدمتك، أنت خدمت وساعدت الآلاف، قالها غاضبا بوجهه قس متقاعد جاءه زائرا)، تحت الكثير من المسميات ما أريد أثقل عليهم، عندي عزة نفس، ما أريد أحد يشفق علي، نرفض الاستقبال، تعلمنا نعطي وما تعلمنا ناخذ وكأن الأخذ عيب، تعلمنا ما نقول لأحد لا، ونهرع لمساعدة الآخرين ونعرف كم تجلب هذه المساعدة وهذا العطاء من سعادة لنا، ولم ننتبه أن الآخرين كذلك يسعدون فلم لا نسمح لهم بذلك ؟!، أتذكر في شبابي كثيرا ماكنت أنقد أمهاتنا والكبار منا بأن لماذا تحرموننا من شعور السعادة بمد يد المساعدة لكم، حين يرفضون أن يثقلوا أولادهم ومحبيهم بأي طلب، ويتحملون آلام المرض خوفا من إزعاجهم، وكبرنا وبتنا مثلهم، عزتي لا تسمح، انا غير محتاجة، الله يغنينا عن مساعدة الآخرين، لا أحتاج شفقة أحد .
الاستقبال كما تذكر حنان الشهري في إحدى أمسياتها بأنه عضلة تحتاج لتدريب وتدريب حتى نشرع نوافذنا لاستقبال النور، ونحن قد نكون ضمن ثقافة لم تعتد الاستقبال، فننحرج من استقبال مديح أحدهم، ونستغفر الله وكأن قبولنا نوع من الكبرياء، (المؤمن من سرته حسنته)، وقد يرجع رفضنا للاستقبال ايا كان نوعه مديح أو هدايا أو مساعدة مادية أو جسدية أو نفسية، لا شعوريا وكأن قبولنا للمساعدة اعتراف بالنقص أو الحاجة .
الفلم سلط الضوء على هذه نقطة بشكل جميل وسلس من حيث الدعاء الجماعي حين لا نملك ما نقدمه، الدعم المعنوي للقس ولزوجته من خلال الزيارات وتواجدهم حولهم طيلة أيام الأزمة، كان يرفض زيارتهم حين طالت إقامته بالمستشفى من باب عدم الثقل عليهم وحبا فيهم، وحين استوعب الدرس وفتح قلبه قبل نوافذه، امتلأ المكان نورا، ولمس الفرق في تعاطيه وتحمله للآلام، الألم يخف بالمشاركة، والعزم يزداد حين تمتد أيادي المحبين لتشد على يديك، حتى الحزن يخف تدريجيا حين ترى دموع محبيك وأخوتك تشاركك الوجع، التناوب في التواجد معه حين عاد للمنزل كان رائعا، العائلة ومساندتها، الأصدقاء، الكثير ممن ساعدهم، أدخل على قلوبهم السرور حين أحتاج مساعدتهم، واستقبلها برحابة صدر، الاستقبال مهارة تجعلنا نحب الآخرين حين نحب أنفسنا (حب لأخيك ما تحب لنفسك) .
***
منى الصالح
لندن ٢٠٢٥