أقلام ثقافية
نهاد الحديثي: السيناريو والرواية.. مشاهد مرئية ومنتج ادبي

رغم أن الشقيقتين «الرواية والسيناريو» تعتمدان على السرد وتقديم شخصيات وأحداث، إلا أن بينهما فروقًا جوهرية تتعلق بالشكل والمضمون، وهدف كل منهما وطريقة تلقيه من الجمهور. فالرواية تُقرأ، أما السيناريو فيُشاهد. وهذا الفارق الجوهري يُفضي إلى تباينات كبيرة في البناء والأسلوب. وكنت قد تحدثت في مقال سابق عن ذاتية الكاتب والتأثير النفسي وأشرت إلى أن الكتابة الروائية يمكن أن يظهر بها الذاتية أكثر من كتابة السيناريو لأن السيناريو يعتمد على ورشة كتابة، تسعى إلى إلغاء الذاتية، والطرح الشخصي إلى أن يكون العمل حيادياً ويقدم الشخصية بمختلف أبعادها قدر الإمكان، وهنا سوف أشير إلى أهم الفروق بين الكتابة الروائية وكتابة السيناريو، والسيناريو يُكتب ليتحوّل إلى صورة مرئية ومسموعة تُعرض على الشاشة، مما يعني أن الكاتب لا يخاطب القارئ مباشرة، بل يخاطب صنّاع الفيلم المخرج، الممثلين، المصور.. كما أن الرواية تعجّ بالوصف النفسي والداخلي والمكاني، وتغوص في مشاعر الشخصيات وأفكارها، وقد تمتد صفحات في تأمل مشهد أو انفعال،، السيناريو يتجنّب الحشو، ويكتب فقط ما يمكن تصويره أو سماعه، فالمشاعر تُعبر عنها الصورة أو الأداء، لا الكلمات المكتوبة فيما الحوار في الرواية فهو جزء من النسيج السردي، يمكن أن يتداخل مع الوصف أو يطول دون أن يُشعر بالملل، ويكون الحوار في السيناريو هو إحدى الأدوات الأساسية لتحريك الأحداث والكشف عن الشخصية، ويُكتب بتركيز وإيجاز وواقعية لأنه سيُقال على لسان الممثل
يقول كاتب السيناريو العراقي سعدي صالح المقيم في الشارقة، ان القصة بمثابة السيناريو بوصفهما جنسين أدبيين لكن الاختلاف الأساسي بينهما هو أن القصة هي منتج أدبي مكتمل بوصفها جنسا أدبيا راسخا فيما السيناريو هو مرحلة أولى من ثلاث مراحل تبدأ بكتابة السيناريو ثم التصوير والإخراج فالمونتاج والتقطيع الذي هو تجهيز الفيلم أو المادة الفيلمية للعرض على الشاشة. وأوضح أن السيناريو غير جاهز، بوصفه مرحلة أولى في صناعة السينما، لأفق التلقي مثلما هي حال القصة القصيرة رغم ما فيه من حوارات داخلية وكتابة للصورة بتفاصيلها المادية والنفسية والشخصيات الحاضرة على المستوى التخييلي. وفي السياق ذاته قال -- لا شعرية أبداً في لغة السيناريو بل ينبغي أن يكون هناك وضوح في اللغة التي لا تحتمل أي لبس أو معنى آخر وينبغي أن تكون الحوارات في السيناريو قصيرة ومكثفة وواضحة وأقرب إلى الكلام العادي ضمن أسلوب السهل الممتنع». وأضاف / مع ذلك فالسيناريو جنس أدبي بالمطلق لكنه لا يحتاج من اللغة إلا ما يمكن فهمه من قبل الآخرين في مراحل أخرى لترجمة الصورة المكتوبة بواسطة الكاميرا إلى مشهد سينمائي، وقال أيضا تدور القصة في مكان واحد غالبا بينما يمكن للسيناريو أن يجري الحدث فيه في أكثر من مكان بوجود شخصيات تتسم بالتفاعل مع المحيط والبيئة من حولها، وهي شخصيات مكثفة ومكتوبة بعناية وتركيز». ثم عرض لطريقتين في التقنية الكتابية التي يجري من خلالهما إنتاج السيناريو وهما ما يعرف بالطريقة الأميركية حيث يجري استغلال الصفحة البيضاء كاملة على نحو أفقي وعمودي كما هي الحال في القصة القصيرة عندما يستغل القاص بياض الورقة كله، أما الطريقة الأخيرة فتُعرف أحيانا بالطريقة الشرقية التي يجري فيها تقطيع الصفحة عموديا إلى قسمين يحتوي القسم الأول منهما، أي الذي إلى اليمين، على وصف الشخصيات المادي والنفسي بينما يكون الحوار في الجانب الأيسر. موضحا أن ينبغي تحديد الزمان والمكان بالنسبة للمشهد فهو إما داخلي أو خارجي وإما ليلي أو نهاري فضلا عن تحديد لجهة الفئة العمرية
***
نهاد الحديثي