أقلام ثقافية
ناجي ظاهر: سدريك امريكي في بريطانيا
تروي قصة الفتى النبيل للكاتبة البريطاني/ الامريكية فرنسيس هوجست بيرنت، حكاية فتى أمريكي، ينتقل للعيش في كنف جده النبيل البريطاني، وتوحي بأسلوب سلس وناعم، ما أحدثه ذلك الطفل الأمريكي، مِن تحوّلات إيجابية لدى كلّ مَن عرفه، ابتداءً من أصدقائه الفُقراء الامريكيين، انتهاءً بجدّه الايرل، أو النبيل البريطاني، الغنيّ الفظّ الغليظ القلب، الشحيح نوعًا ما، وما تركه ذلك التأثير، من سمات إيجابية، من الحفيد على الجدّ، وكأنما الكاتبة تُريد أن تقيّم العلاقة بين الثقافتين الامريكية والبريطانية، مائلة للأولى المُنفتحة، ومُنتقدةً الثانية المُحافظة أو المُغلقة الى حدٍّ ما، وذلك عبر أهمية التواصل بينهما.
مُؤلفة الرواية ولدت في إنجلترا واضطرها الفقر للهجرة مع أهلها إلى أمريكا، ولم تبدأ الكتابة للأطفال خاصة، إلا بعد أن ارتبطت برجل طبيب يدعى سوان بيرنت، كما ورد في تظهير الراية، وقد نُشرت روايتها هذه، مُسلسلة في مجلة تدعى سانت نيكولاس بين عامي 1885 و1886، ولم تصدر في كتاب إلا بعد سنتين من نشرها الأول، وقد بيع منها حوالي عشرة الاف نُسخة في الاسبوع الأول لصدورها.
لا غرو في هذا، فالروية تحكي قصةً مُثيرةً لطفل أمريكي في السابعة من عمره، ربّته أمّه على النُبل والأخلاق الحميدة، وطالما شجّعته قائلة له: تحلّ بالطيبة والشجاعة والعطف والصدق دومًا يا عزيزي، وعندئذ لن تؤذي أحدًا طوال حياتك، بل قد تُساعد الكثيرين ممن هم بحاجة للمُساعدة، هكذا قد تساهم في أن يضحي العالم الكبير أفضل مما هو عليه. هذا التوجّه مِن الام لابنها، يحفزه على فعل الخير، ويمنحه بالتالي نفسية ملأى بالبراءة والعفوية، ليس السذاجة بأية حال، الامر الذي يجعله أشبه ما يكون بنقطة ضوء في ليل المُحيطين به، في البداية في بيئته البريطانية الفقيرة، وفيما بعد في بيئة جدّه الأمريكي الفظ الغليظ.
تبدأ الرواية عندما يفد مُحامي جدّ الطفل سدريك، وهذا هو اسمه، ليخبر أمه الارملة، أن جدّه المريض يُريد أن يأخذه ليعيش معه وإلى جانبه، بغرض اعداده لإدارة ورثته الكبيرة مُستقبلًا، ويكون أن يُخبر هذا المحامي الولدة، أن الجدّ لا يستلطفها، وأنها لهذا، لن تقيم معه برفقة ابنها وإنما ستقيم في بيت آخر، يُهيئه لها الجد الغني، ويُقدّم المحامي مبلغًا مِن المال للطفل بناء على توجيه خاص من الجدّ، فلا يكون مِن الطفل.. سيدريك، إلا أن يقوم بتوزيع ذلك المبلغ على المحتاجين ممن هُم حوله، وبينهم امرأة فقيرة، وماسح احذية وصاحب بقالة. إنه يوزّع هذه المبلغ حينًا بالدعم وآخر عبر هدية.
الابن وامه ينتقلان إلى بريطانيا، وهناك يُفتن الجدّ رويدًا رويدًا بحفيده الطفل النبيل وبأخلاقه العالية الداعمة لكلّ محتاج ومظلوم، ويُفتن أكثر عندما يتوجّه الطفل إلى اليه، عبر رؤيته الإيجابية للجميع، فجدُّه كما يعرضه خلال مواجهته لهذه المشكلة أو تلك، يُسرّ بأن حفيده يحمل فكرةً إيجابية عنه، وهي عكس ما هو عليه في الواقع، ويستجيب بالتالي لتقديم كلّ ما يطلبه الحفيد، ضمنًا أو تصريحًا، وتتطوّر هذه العلاقة الرائعة، وذات الطلاوة أكثر فأكثر، لا سيّما عندما يطلب الطفل مِن جدّه.. المريض بالنُقرُس، أن يُرافقه في طلعاته للتنزه مُمتطيًا متن مُهر، فيستجيب الجد.. وهكذا يحدث تغيّر أكبر في حياته وفي واقعه المُنفّر للجميع، إنه والحالةُ هذه يكتشف قُدرة العطاء التي تُميّز الإنسان الإيجابي، وهو هنا حفيدُه البهي الرائع.. فيندفع معها..
التصرّفات الرائعة للطفل النبيل تُسهّل عليه كلّ ما يُريد ويودّ، ويكون أن يتعرّف الجدّ على الام، بعد أن تعرّفت عليها اخته وأحبتها للُطفها، رقّتها وانسانيتها الفيّاضة، التي انعكست إيجابيًا على ابنها سدريك الطفل النبيل، فلا يكون منه إلا أن يطلب منها أن تأتي للإقامة إلى جانب ابنها وجانبه في قصره الفاره، بيد أن هذا كلّه لا يدوم، كما يحدث في القصص والحكايات، وتأتي المُشكلة، على شكل امرأة أمريكية.. تدّعي أن ابنها هو الوريث الحقيقي، وليس الطفل سدريك، الامر الذي يُعقّد الأمور أكثر فأكثر، فلا يكون مِن الطفل إلا أن يكتب إلى أصدقائه مِن الفقراء ومحدودي الدخل الأمريكيين، مُخبرًا إياهم بأنه لن يكون اللورد المرتقب والمتوقّع، وهُنا يهُب اصدقاؤه، هبّة رجل واحد، غير ناسين كرمه، لطفه وانسانيته في تعامله معهم، ويكتشف ماسح الاحذية، الذي سبق للطفل سدرك أن ساعده ماليًا، أن تلك المرأة ما هي إلا مُدّعية ولا علاقة لها بالعائلة النبيلة، الامر الذي يُعيد الأمور إلى نصابِها الحقيقي، منتصرة للطفل النبيل.
الرواية بهذا، تُشير إلى العلاقة بين الشعبين البريطاني والامريكي، وقد عبّر عن هذا كلّه رئيس الوزراء البريطاني، في حينها وليم اورت غلادستون، قائلًا إنه سيكون لهذه الرواية أعظم الأثر، في إحداث تغيير حقيقي وجوهري، في المشاعر المُتبادلة بين الشعبين البريطاني والامريكي.
***
ناجي ظاهر
...........................
* قامت بترجمة الرواية إلى العربية الكاتبة بُثينة إبراهيم، وصدرت عام 2019 ضمن منشورات تكوين في دولة الكويت.







