بأقلامهم (حول منجزه)
احمد فتحي: دراسة نقدية حول كتاب (يتهادى حلما) لماجد الغرباوي

من الكتب التي لفتت انتباهي والتي صدرت حديثا في هذا العام وأعتبرها إبداعاً متنوعا كتاب (يتهادى حلما) للأستاذ/ ماجد الغرباوي، فمن بداية الكتاب يستوقف الباحث أو القارئ ذلك الإهداء الذي به من الغموض ما يدفع القارئ إلى الانسياب إلى الصفحات التالية بدافع من اللاوعي، فالإهداء (إلى من أدمنها دمي ـ آهات تساقطت ـ فراحت تلملم جرحها) يُعد نصًا أدبيا في حد ذاته وكل جملة فيه تصلح لأن تكون عنوانًا أو مُفتتحًا لقصة قصيرة أو عمل أدبي مستقل.
قد يكون ذلك مرتبطا بالعنوان (يتهادى حلمًا) الذي أرى فيه من عناصر الجذب ما يروق لكل من يحمل قلبا قادرا على الإحساس بالجمال.
الكاتب من البداية يصرح بأن ما سيأتي في كتابه عبارة عن نصوص أدبية، وهنا يصر الكاتب على تحديد نوع الجمهور الذي يكتب له، فعاشق الأدب يختلف عن القارئ في أي مجالٍ آخر.
بعد ذلك نجد الكاتب يقسم الكتاب من حيث القالب الأدبي إلى قسمين رئيسين:
القسم الأول هو قسم (قصص قصيرة) وهو الذي تندرج تحته مجموعة من القصص القصيرة الرائعة المعبرة عن نفس الكاتب وامتزاجها بالحياة والواقع، وهي تسع قصص استوقفتني منها قصة (تمرُّد) والتي تعبر عن حالة خاصة تفوح منها رائحة ذكريات مريرة تتجمع لتكوّن ذلك المخلوق المعذب الذي حاول أن يتناسى عذابات تلك الذكريات، ولكنها تأبى إلا أن تأتيه وهو في البرزخ بين النوم واليقظة – أو قُل- بين الواقع والخيال.
أرى أن الكاتب جعل تلك الأشلاء تدور في صورة دوائر، والدائرة السابعة لها نظام مختلف في حركته عن باقي الدوائر، ويعود ذلك في رأيي إلى أن تلك الدائرة السابعة والأخيرة هي السبب في العذابات التي يعانيها أو على الأقل هي القشة التي قصمت ظهر البعير وتسببت في إحداث ما أسميه بفوضى الأشلاء، والدليل على ذلك الثقل الذي تميزت به حركة تلك الدائرة وإحساسه بثقل جسده حين يقترب منها مما يقوده إلى النهاية الحتمية وهي التعرف على تلك الأشلاء حيث يدرك أنها أشلاؤه، فيصرخ في عمق الليل.
وقد استخدم الكاتب بعض الألفاظ المناسبة للحالة الشعورية التي يمر بها والتي تعبر عن نفس ممزقة منها مثلا (المتعبة – أشلاء – دموية – غاضبا – الذابلة – مجهول – ظلمة – الليل - ....) والتي استطاع ببراعة أدبية أن يوظفها فيما يخدم السياق الأدبي للقصة.
القسم الثاني: وهو (نصوص نثرية) تندرج تحته مجموعة من القصائد النثرية التي تفوح بعبقرية الإحساس المعبر عن حالات شعورية مختلفة .
أعتقد أن الكاتب من البداية قرر أن يسميها (نصوص نثرية) دون أن يستخدم لفظ (قصائد) أو (أشعار) تجنبًا للخلاف النقدي القائم في واقعنا العربي الأدبي حول القصيدة النثرية واختلاف البعض في تسميتها أو حتى الاعتراف بها من قِبَل المحافظين المتعصبين.
لكني من منظور نقدي محايد أرى أن ما تم جمعه من نصوص نثرية بلغ من الاحترافية الإبداعية الراقية ما يستدعي منا التدبر في بعض تلك النصوص.
لقد استوقفني نص (شظايا)، والذي يعبر مدلول عنوانه عن فكرة قريبة من قصة (أشلاء) التي تحدثت عنها سابقًا، ولكن الأمر مختلف بعض الشيء.
نجد الكاتب يجعل الكلمات كالجبل الذي له سفح، نجده أيضا يجعل للشفق أحشاء، وبطبيعة الحال تلك الصور أثرت النص وأظهرت جماله المكنون.
في رأيي أن استخدام الرمز (تمثالك الخشبي) واستخدام الأسطورة في قوله (موناليزا) قد أسهم في جعل النص يميل إلى التوغل في أعماق نفس القارئ وذلك حيث تميل النفس إلى الرموز والأساطير.
أخيرًا استخدم الكاتب ما يسمى بـ (التناص) أو بأسلوب أوضح (التضمين) حين لجأ إلى القرآن الكريم في نهاية النص (صم بكم فهم لا يعقلون) وإن كان التناص غير مكتمل فلم يورد الآية (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) إلا أنه عبر عن المدلول الذي يرمي إليه.
وختاما .. الكتاب من اصدار مؤسسة المثقف – استراليا ، نشر وتوزيع شركة العارف للأعمال بيروت لبنان.
ويعد ذلك الكتاب من الكتب الثرية التي تضيف جديدًا إلى المكتبة العربية، وتحرك ببراعة ما ركد من تيار الثقافة العربية المعاصرة .
***
شاعر، عضو نادي أدب سوهاج
....................
* المقالة النقدية منشورة أيضا في صحيفة منبر الحرية المصرية يوم 6/8/2025