أقلام حرة

ضياء محسن الاسدي: هل الإنسان نسخة مطورة من البشر؟

لقد وردت في القرآن الكريم كلمتان هما (البشر – الإنسان) أو كلاهما في كثير من الآيات وبأسلوب بلاغي رائع ومتعدد الأغراض كل حسب موقعه يعطي معنا لوروده فقد ذُكرت كلمة البشر حوالي (23) مرة والملفت للنظر أن هذا العدد يساوي عدد الكروموسومات الجينية للنطفة التي تحمل كل الصفات  الوراثية للبشر أما الإنسان ذُكر حوالي (43) مرة أما كلاهما بلغ حوالي (14) مرة حيث جاءت كلمة البشر من الجذر اللغوي (بَشَرَ) أي الجسد المادي الحسي أو الملمس الخارجي (الجلد) الخالي من الشعر الطويل أو الوبر أو الصوف أو الفرو ومن هنا على المؤمن المتدبر في عظمة الخالق الله تعالى وآياته أن يحاول دراسة وفهم هاتين الكلمتين تفصيلا وبداية علينا التعرف على البشر أولا على أنه مخلوق مع باقي خلق الله عاش على الأرض يختلف عن الحيوانات وباقي الكائنات ذو مظهر وشكل معين أفضل وحُسُن هيئة من تراب وماء كما قال تعالى (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم أذا أنتم بشر تنتشرون) الروم 20 وكذلك (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) وهذا دليل على أن البشر خُلق من ماء وتراب وهما عنصران مهمان للطبيعة (وهو الذي أنبتكم من الأرض نباتا) نوح 17 وهو أول كائن يسكن الأرض خلقه من الماء كسائر المخلوقات ثم بدأ يمشي على رجلين شبه منتصب واستعان باليدين في بعض الأحيان وعند الحاجة إليها وحسب طبيعة معيشته وبيئته ونظامه الغذائي لمدة قاربت (1,7) مليار سنة (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا) فاطر 11 ومن البشر هذا أراد الله تعالى أن يكون له خليفة في الأرض من سلالة البشر أكثر تطورا ومدنية وعقلانية وتفكيرا ليكون ملائما للعيش في زمن التطورات الجديدة على الأرض ليستلم مهمة مسئولية يُكلف بها في المستقبل وأكثر تطورا في الشكل والفهم والمواصفات البدنية لإخراجه من الحياة البهيمية الفوضوية لبناء الأرض وأعمارها والاستفادة من خيراتها ويكون أكثر ألفة وأُنسا مع الطبيعة وأقرانه من جنسه ومخلوقات الأرض والكون ولهذا سمي بـ(الإنسان) وأودع فيه العقل السليم والفطرة السليمة النقية وعلمه ما لم يعلم وقابل على التطور والتكييف قابل على حمل الرسالات الإلهية والشرائع والسنن التي تُنظم حياته وسير الكون وأخذ الله تعالى منه العهد والميثاق ومن ذريته لعبادة الله وحده لا يُشرك به أحدا وأعمار الأرض على أساس الأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية لكن هذا الإنسان لم يكن جدير بهذه المسئولية فكان الخطاب الإلهي له أكثر قسوة وذما وتوعده بأقسى العقوبات بعدما سار في طريق العصيان والتمرد والظلم بإرادته وأكثر الفساد حيث وصفه الله بصفات منها (الفجور –القنوط- اليأس – أكثر جدلا – ختار – كفور – ناكرا للجميل – جزوع – قتورا – جهولا – محب للشهوات) وقد وصف في الآيات التالية :

- (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسن المآب) آل عمران 14

- أخذ الله تعالى من الإنسان العهد والمواثيق لعبادته وحده لا شريك له ومن ذريته (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلا شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) الأعراف 172

- (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) النحل 4

- (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون) الحجر 26

وخلاصة القول من بعد ما تقدم أود طرح رأي الشخصي والله أعلم عنده علم الغيب عندما خلق الله تعالى الكون من العدم بكلمة (كن فيكون) دفعة واحدة بما يسمى بالانفجار الكوني العظيم كما قال تعالى (أولم يرى الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) الأنبياء 30 فقد أوجد الله الكون دفعة واحدة مرتبا كاملا كما هو عليه الآن حتى قيام الساعة بدقة متناهية وكل شيء خلقه بقدر وموزون لا تبديل لخلق الله لكن الإنسان بمواصفاته الحالية وبرمجته بهذا النظام والشكل قد يكون مشتقا من نسخته الأصلية البشر بمراحل جديدة وبفواصل زمنية عبر عنها القرآن الكريم ب (ثم) وبخارطة جينية متطورة عن البشر بكثير من الصفات الجديدة لذا نرى الآن الطفرات الجديدة للإنسان لتركيبته المتجددة في الإدراك والتغيرات الجسدية والشكل التي تظهر على الساحة العالمية لبعض الدول المتقدمة في العلم والتكنولوجيا في إيجاد بدائل ونسخ مشابهة للإنسان بدقة عالية لها القدرة أكثر منه وقابل للمزيد من التطور وهذا يوصلنا لرأي مفاده أن الإنسان المختلف عن البشر ما هو إلا صناعة خارجية أكثر تطورا وتقدما من الكائن البشري أستغل منه العقل والخارطة الجينية للنطفة وبعلم وقدرة الله على صناعته كما أخبرنا الله في القرآن عن عيسى بن مريم صلوات الله عليه أن يخلق من الطين كهيئة الطير بأذن الله والنبي نوح عليه أفضل الصلوات صناعة للسفينة بأمر وأشراف مباشر منه إذ قال (وأصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا أنهم مغرقون) هود 37 والدليل الآخر على ذلك عالم الروبورتات التي تمتاز بالدقة المتناهية في الوصول لشكل وعمل الإنسان والتفكير وقد نجد في المستقبل البعيد عن مخلوقات إنسانية وخلق ونشأت جيل جديد من شبه إنسان قادرا عن التكيف مع المجتمع والكائنات المعروفة والغير معروف لنا ويبقى الله تعالى هو أحسن الخالقين ولا منكرا لذات الله تعالى).

***

ضياء محسن الاسدي

 

في المثقف اليوم