أقلام حرة

عدنان الظاهر: منازل العطراني.. تعقيب على مقال

قرأتُ اليوم في موقع المثقف قراءة تحليلية لرواية (منازل العطراني) كاتبها الأستاذ جمال حسن علي العتّابي. كان صاحب القراءة التحليلية دقيقاً فيما كتبَ فاهماً لما جاء في الرواية من أمور الصغير منها والكبير لكنَّ ما استخلصه وألحَّ عليه [وهذا شأنه] شأنٌ يستلفت النظر حقاً، نعم بل ويستدعي التوقف طويلاً والتساؤل كثيراً لِمَ هذا التشبث حدَّ الإلحاح بمسألة وردت في هذه الرواية ولا أحسبها ذات أهمية بالغة بالنسبة لمضمون ومجمل سياقات هذه الرواية { منازل العطراني }. أقصد الإنتماء إلى (جماعة) معينة سياسية هي الحزب الشيوعي العراقي بالذات وما نال [محمد الخلف / حسن علي العتّابي] من أذى وسجن وطرد من الوظيفة نتيجةً لإنتمائه لهذه [الجماعة]. هل ندم محمد الخلف على إنتمائه ذاك ؟ هذا ما دار حوله الأستاذ محلل الرواية وحاول بشتى السبل والطرق إثباته وتأكيده كأنْ لم يُسجنْ أحدٌ قبل ولا بعد محمد الخلف ولم يُحرم من وظيفته أحدٌ تاركاً وراءه عائلة كثيرة العدد بلا مُعيل. وكأنه النادم الوحيد على ذلك الإنتماء وكأننا لم نعاصرْ ولم نُصادقْ الكثيرين ممن واجه ذات المصير وانتهى إلى قرار نهائي يقضي بالتخلي عمّا التزم من مبدأ وحزب وأعلن ندمه بل وتبرأ البعض عَلَناً بنشر صيغة البراءة الشهيرة في العهد الملكي بل وأدهى من هذا: كتابة إعترافات خطيّة موقّعة تكشف اسماء وعناوين رفاق هؤلاء المعترفين وفي ذاكرة العراقيين مثالان حيّان شخاصان لقادة في الحزب هما مالك سيف وعزيز الحاج. إذاً لا يستحق هذا الأمر كل هذا الجهد والتركيز على هذه الموضوعة بالذات.

بقدر فهمي لما كتب الأستاذ محلل هذه الرواية فإنَّ كاتبها الأستاذ جمال حسن العتاّبي لم يولِ هذا الأمر هذا القدر الكبير من الأهمية إنما مرَّ عليه خفيفاً كلّما اقتضت سياقات الرواية وهو نفسه ليس نادماً على التزامه وانتمائه للحزب الشيوعي ويكفي أنْ نعرف أنه درس في الإتحاد السوفييتي السابق مُبتعثاً بزمالة دراسية حزبية ونعرف مَنْ هو اليوم وأية وظيفة يشغل وفي أية وزارة؟

الآن ماذا عن (محمد الخلف)؟ إنه المربي الفاضل والصديق العزيز الأستاذ أبو جمال حسن علي العتّابي عرفته وعملنا معاً أربعة أعوام نُحرر مع زملاء آخرين صفحة التعليم والمعلم الأسبوعية في جريدة طريق الشعب. نجتمع مرة في الأسبوع ومعنا الفقيد الراحل ضحية البعث المربي عبد الستار زُبير أبو إيمان وزملاء آخرون غير ثابتين وآخرون ثابتون لكنهم غير دائمي الحضور .. نجتمع نتدارس البريد الوارد من شتى التدريسيين ومن كافة المستويات من شتى مدارس ومعاهد وجامعات العراق ثم نختار الأكثر إلحاحاً أو أهمية والأنضج تحريراً نُصححه وندققه ونُعدّه للنشر في الأعداد القادمة لصحيفة طريق الشعب. إذاً كنت وأخي المرحوم [محمد الخلف] محررين صحافيين هواةً متطوعين مُضحين بكل شئ من أجل صحيفة طريق الشعب لسان لجنة الحزب المركزية. أمضينا أربع سنوات [1974 ـــ 1978] معاً لم أسمعْ منه شكوى أو علامة تذمر أو ندم وأكثر ... كان يُساهم بنشاط في كافة الفعاليات الحزبية الإحتفالية بهذه المناسبة أو تلك. وأكثر ... كان ولده سامي يعمل كادراً فنيّاً في خطوط وطباعة وإخراج جريدة طريق الشعب ومن ثمَّ قتل البعثيون هذا الشاب نجل أبيه وأحد رموز أخوته إثر انفراط الجبهة الوطنية تاركاً أرملةً شابة ما زالت على قيد الحياة في بغداد هي الإعلامية والأديبة السيدة مُنى سعيد الطاهر. فأين ندم [محمد الخلف] ؟ قلتُ إنَّ الأستاذ جمال حسن علي عالج ظاهرة عراقية سياسية معروفة وقلّبها على وجوه عِدّة شأنَ الباحث والمدقق والحكيم النفساني لا غير. لا على راوٍ حَرَج فيما يروي وكيف يروي و(ناقل الكفر ليس بكافر) ....

يوجد لحُسن ظن العراق والأدب العراقي رجلٌ شاهد عيان عرف (محمد الخلف) لأربع سنوات وخالطه في السرّاء والضرّاء وجاء الوقت المناسب ليقول فيه كلمة حق يستحقها هذا الرجل الأب والمربّي والصحافي الهاوي الملتزم بخط وجريدة الحزب الشيوعي العراقي.

***

د. عدنان الظاهر

22 مايس 2025

في المثقف اليوم