أقلام حرة

صلاح حزام: الرأسمالية العاطفية

ان العلاقات الاقتصادية فيها عواطف ومشاعر حميمية باردة وتكاد ان تكون مزيفة وتستهدف أموراً أخرى.. فعندما تسعى الشركات لارضاء الزبائن وتعمل استبيانات للوقوف على رغباتهم بهدف تلبيتها وعندما تقول للزبون هدفنا اسعادك قبل كل شيء. فانهم لا يعنون ما يقولون بل هدفهم هو نقود الزبون وبالتالي زيادة ارباحهم.

تدخل الى احدى صالات العرض للسيارات او الاجهزة الكهربائية فيستقبلك البائع بسعادة وحب ويجعلك تشعر بأنك صديقه الوحيد.!. انهم يمارسون الدعاية الضاغطة والايحاء الكاذب وغسيل الادمغة لجذب الزبائن.. انها تحفز على زيادة الاستهلاك وتستهدف الزوجة والاطفال وتغريهم عن طريق الدعاية المؤثرة، وهذه ليست في صالح العائلة ولكن قطاع الاعمال لا يكترث بذلك.

في كتابها المعنون حميميات باردة والذي انتهيت من قراءته قبل ايام، تقول الكاتبة ايفا ايلوز ماخلاصته: ان الحب هو شعور لاعقلاني ولا يخضع للدراسة العقلانية ولاحسابات الربح والخسارة او المقارنة بين شركاء متعددين. انه "وقوع في الحب"  وليس صفقة مدروسة بعقلانية. ولكن الرأسمالية ادخلت نمطاً جديدا من العواطف دخلت فيه الحسابات المادية واصبح موضوع تحقيق الذات بالمعنى المادي عنصراً حاضراً الى جانب الاعتبارات المثالية عند اختيار

الشريك ولم تعد العواطف شأناً خاصاً بل دخلت فيها السردية الاجتماعية ومنظومة القيم الاقتصادية والسياسية السائدة العامة باعتبار العلاقة العاطفية مشروعاً ويجب ان يكون مربحاً وفيه جدوى ..انها حالة تصبح فيها الممارسات العاطفية والاقتصادية يشكّل بعضها بعضاً بالتبادل. ويصبح التأثير كاسحاً للسلوك الاقتصادي.. وتتبع الحياة العاطفية منطق العلاقات والتبادلات الاقتصادية.

وزاد الأمور سوءاً عند بداية عصر الانترنت، حيث حولت تكنولوجيا الانترنت التفاعلات الرومانسية الى قضية قابلة للحساب الرقمي والمعتمد على النصوص لكي يتأكد الشخص ان الآخر هو من يحبه.

الحب لاعقلاني ولكن حب الانترنت والبحث عن حبيب عن طريق البحث في المواقع يحوله الى بحث عن افضل فرصة في حين ان الرومانسية السابقة تضفي على الحبيب طابع حصري واستثنائي لامثيل له، اي يعتمد على اقتصاد الندرة..

اما الانترنت فيعتمد على اقتصاد الوفرة وتعدد البدائل العاطفية مع توفر بيانات وقيم ينشرها كل مرشح عن نفسه وبالتالي يستطيع الفرد البحث بين بدائل عديدة جداً لاختيار الافضل وفق قواعد العقلانية الاقتصادية وتحصيل افضل منافع مقابل اقل خسائر...انه تصرف اقتصادي يعتمد على البيانات المتاحة بدون اي تواصل جسدي مادي وبعيد عن الاحاسيس التي يولدها التفاعل الجسدي ولقاء العيون والاستماع الى الصوت وحركة الجسد.

صناعة المرح الرأسمالية الاستهلاكية قد انسحبت على العلاقات الرومانسية ودفعت باتجاه الحرية الجنسية كنوع من المرح والمتعة، وكان ذلك على حساب اليوتوبيا الرومانسية المثالية. وحولت تلك العلاقات الى نوع من السلع وازالت الفرادة عن الشريك/ الحبيب واضفت التنميط والتبادلية العالية على الشريك العاطفي.

***

د. صلاح حزام

في المثقف اليوم