نصوص أدبية

إبراهيم برسي: حين ينعى الفقراء أحدهم..

فإنهم يطرقون الأرض بأقدامهم، لا بأصواتهم.

"مرثية لرئيسٍ لم يشترِ المجد: خوسيه، أفقر من حكم وأصدق من مضى"

***

لأن الحناجر، في زمن القمع، تُستخدم للنجاة لا للرثاء.

ولأن بعض الموتى لا يُرثون بالعبارات، بل يُعاد ترتيب وجدان العالم على غيابهم.

*

مات خوسيه موخيكا…

ولم تمت معه السلطة،

بل تهاوى أحد احتمالاتها النبيلة.

ذاك الاحتمال الذي كان يمشي على قدمين حافيتين،

ويقرأ في الريح حال الشعوب، لا في تقارير المخابرات.

*

يا ابن الزنزانة الطويلة،

والصمت الذي صار لغةً للحكم…

كيف ترحل الآن؟

والعالم لا يزال يُدير الخراب وكأنه برنامج انتخابي،

ويُعيد تدوير السفاحين على هيئة أقنعة لما تبقى من الدولة.

*

غيابك ليس نهاية رجل،

بل هو ارتباك أخلاقي على مستوى العالم،

وثُلمة جديدة في شرف الفكرة.

وسؤالٌ معلّق في الهواء:

هل يُمكن للفكرة أن تنجو بعد صاحبها؟

وهل للكرامة أن تستمر، إن لم يسندها الجسد؟

*

أعذرنا…

فقد جاءك نعيك من أقصى الخراب،

من بلادٍ تُحكم بالدبابة وتُغنّي للرصاصة،

بلادٍ تتكدّس فيها الأناشيد فوق ركام المعتقلات،

وتُباع فيها الوزارات في السوق الموازي،

ويُعامل فيها الحاكم الناس كما تُعامل الثكنة أجسادهم المُنهكة.

*

بلدٌ يبحث عن ظلّ شجرة ولا يجده،

عن رئيسٍ فقيرٍ ولا يجده،

عن موتٍ نظيف… فلا يجده.

*

نعيك رجلٌ من بلدٍ لا يُحكم… بل يُداس.

لا لأنك تشبهه،

بل لأنك نقيض كل ما يعيشه.

ولأن موتك — الآن تحديدًا —

فضيحة أخلاقية في وجه الذين يحكمونه بالقيد والخطاب.

*

سلامٌ عليك،

وأنت تغادر دون حراسة،

وتترك السلطة حيث وجدتها:

مجرد فرصة للعدل،

لا ميراثًا للذين يخلطون المجد بالقمح الفاسد.

*

سلامٌ عليك،

كما يُلقى السلام على وجه نبيٍّ تعب من المعجزات،

وغادر الحكاية قبل أن تُفسدها السياسة.

***

إبراهيم برسي

في نصوص اليوم