نصوص أدبية
مجيدة محمدي: لا أُحفِلُ كثيرًا بـ...

لا أُحفِلُ كثيرًا بالمواعيدِ المنقوشةِ على جبينِ الأيام،
ولا بالتقويمِ الذي يُعيدُ نفسه كلّ عامٍ وكأنّهُ لم يتعلّم شيئًا.
لا أُحفِلُ كثيرًا بالبريدِ الإلكترونيّ المُكدَّسِ باعتذاراتٍ ركيكة ،
ولا بالردودِ السريعةِ التي تُرمَّمُ بها العلاقات المهترئة من فرطِ الصمت.
*
لا أُحفِلُ كثيرًا بمن قال إنّ الحبَّ يجبُ أن يُشبهَ الأغاني،
ولا بمن ظنّ أنّ الشعرَ يُكتبُ على ورقٍ أبيض فقط.
أنا أكتبهُ على جدرانِ الليل،
او فوقَ ضوءِ المصابيحِ المنسية،
وعلى جلودِ الدفاترِ القديمةِ التي هجرتها الأحلامُ منذُ الطفولة.
*
لا أُحفِلُ كثيرًا بمن يرصفونَ العالمَ بالحقيقة،
لأنّني أعرفُ أن الواقعَ مجرّدُ كذبةٍ تُجيدُ التنكّر.
ولا أُحفِلُ كثيرًا بالنهاياتِ السعيدةِ التي تُعرضُ في الأفلام،
لأنّني رأيتُ الأبطالَ يبكونَ بعد أن تُطفأَ الكاميرا.
*
لا أُحفِلُ كثيرًا بـ"كيفَ حالُك؟"
حين تُقالُ لأنّ البروتوكولَ يفرضها، لا القلب.
ولا أُحفِلُ كثيرًا بالذينَ يفتحونَ أبوابهم للضيوفِ ويغلقونَ قلوبهم بالمزلاج.
ولا أُحفِلُ كثيرًا بعباراتِ التحفيزِ البلاستيكيّة،
كأنّ الحزنَ يُشفى بملصقٍ ملونٍ يقول، "كُن قويًا".
*
لا أُحفِلُ كثيرًا بالمدنِ التي تشبهُ بعضها،
بالبناياتِ التي تصطفُّ كجنودٍ لا تعرفُ الحرب،
بالمقاهي التي تبيعُ نفسَ القهوةِ بنفسِ الوجوهِ المُتعبة.
أنا أبحثُ عن زقاقٍ يعزفُ النشاز،
عن نافذةٍ تُطلُّ على غيمةٍ تائهة،
عن مقهى يسكبُ الوقتَ بدلَ القهوة.
*
لا أُحفِلُ كثيرًا بأناقةِ اللغة،
إن كانت لا تعرفُ كيفَ تخدشُ.
ولا أُحفِلُ كثيرًا بالبلاغة،
إن كانت لا تُربِكُني.
أنا أريدُ الكلماتِ أن تعرجَ،
أن تتعثّرَ،
أن تنزف،
أن تكونَ بشرًا.
*
لا أُحفِلُ كثيرًا بالتوازن،
لأنني لا أؤمنُ بالعيشِ فوقَ الحبل،
بل بالرقص المجنون على الطرق التي نختارها.
لا أُحفِلُ كثيرًا بالذينَ يشرحونَ الحياةَ كدرسِ فيزياء،
لأنني أراها رقصةً سريالية،
حيثُ يلتقي الضوءُ بالظلّ،
وتمشي الدموعُ على أطرافِ الأصابع.
*
لا أُحفِلُ كثيرًا،
لأنني أشعرُ أكثر من اللازم،
فأُقرّرُ أن أزرعَ اللامبالاة كزهرةٍ تحرسني من ذئابِ الحنين.
***
مجيدة محمدي