نصوص أدبية
كريم عبد الله: حب في زمن الحرب

القصيدة الأولى: "رسالة من الجبهة"
(عن حالة الحبيب وهو بعيد عن حبيبته)
أكتب إليكِ من عراءٍ يعجّ بالصمت، من خيمةٍ بالكاد تحميني من انكسارات الريح، كلّ شيء هنا يشبه الفقد، حتى اسمي الذي تنادينني به… نسيتُ صوته. وجهكِ يزورني خلسة، حين تغفو البنادق، ويصبح الحذر أقلّ ضجيجًا. أحنّ إلى طريقتكِ في ترتيب النهار، إلى فنجانكِ المسكونِ بالعطر، إلى دفءٍ كان يربت على قلبي من طرف أصابعكِ. أنا بخير، كما يقولون حين لا يريدون البكاء. لكنني حين أغفو… أنام في حضنِ صوتكِ.
***
القصيدة الثانية: "على حافة الانتظار"
(عن حالة الحبيبة وهي تنتظر عودة الحبيب)
كلُّ يومٍ أزرع صبرًا عند الباب، وأسقيه بنظراتي نحو المدى، فلا يكبر، ولا يذبل. المطر يسألني عنك، والريح تنقل إليّ أخبارًا مبتورة، أخبارًا ترتجف مثل قلبي. أعدُّ خطواتِ العابرين… علّ مشيتكَ تختبئ بينهم. أفتحُ الرسائل القديمة، فتمطر الدموعُ، ولا تجفّ الذكرى. أعيش على أطراف يقيني، كأنني بيتٌ نسي صاحبه أن يعود، فترك فيه رائحة صوته وارتبك في منتصف الطريق.
**
القصيدة الثالثة: "اللقاء"
(عن لحظة اللقاء بعد طول انتظار)
حين رأيتك، توقّف كلّ شيء. العصافير التي هجرت نافذتي عادت، والساعة التي توقّفت يوم رحيلك دقّت أخيرًا… على نبضك. لم نتكلّم، لكنّ الأيدي وجدت بعضها، كأنها لم تفترق أبدًا. كأنّ الحرب كانت قصة أخرى، ونحن كنا في الهامش ننتظر النهاية. أنا لم أعدّ السنين، لكنّ جسدك حفظني، كأنني سِرٌّ قديمٌ تحت جلدك، وكأنك طينتي التي نُفخت فيها الحياة عند أول نظرة.
**
القصيدة الرابعة: "قبر من الذكرى"
(عن حالة الفقد بعد غياب الحبيب في الحرب)
لم أودّعك، لأنك لم تقل وداعًا. غبتَ كما يغيب الضوء عن وجه البحر، صامتًا، كأنك لم تكن يومًا جزءًا من تنفّسي. كلّ شيءٍ تسرّب منك بقي هنا: الكرسي الخشبي الذي كنتَ تفضّله، قميصك المُعلّق دون رغبةٍ في الانحناء، الكتب التي تركت إشاراتٍ فيها ولم تُكملها. الحياة تواصلت… لكنّها كانت تمشي بعكازٍ مكسور. لم يخبرني أحدٌ كيف أتعامل مع الغياب، فصرت أفتح النوافذ علّك تعود، وأنام على وسادتك كأنّها الأرض التي دُفنت فيها.
**
القصيدة الخامسة: "لن أقول وداعًا"
(عن انتظار الحبيب رغم اليقين بموته)
قالوا: "لقد مات". قلت: "لكنه لم يودّعني بعد". أنا لا أعيش في الجنازات، ولا أحتفظ بالورود اليابسة، أنا امرأة ما زالت تُعدّ فناجين القهوة لاثنين، وتضع منشفةً ثانية في الحمّام. أعرف أنه لن يعود… لكنني أحتفظ بمكانه في الحكاية، تمامًا كما تحتفظ السماء بألوان الشروق حتى بعد غياب الشمس. لن أقول وداعًا، لأن الموت لا يُفصِل بين من تعانقت أرواحهم. سأبقى، وأنت ستبقى ما دامت ذاكرتي ترفض أن تنسى كيف كنتَ تبتسم… قبل أن تخرج من الباب الأخير.
***
بقلم: كريم عبد الله
بغداد – العراق