نصوص أدبية

عبد الناصر عليوي: أب يرثي ابنه الشّهيد

رَعَيْتُكَ غُصْنًا فِي رُبَى الْحُبِّ نَاهِضًا

وَرُحْتُ أُغَذِّيهِ الْحَنَانَ فَيَكْبُرُ

*

كَبُرْتَ كَمَا تَرْجُو الرِّجَالُ لِسَيْفِهَا

وَصُغْتَ جَبِينَ الْعِزِّ مَجْدًا يُبَشِّرُ

*

خَرَجْتَ كَبَدْرٍ فِي الدُّجَى تَحْمِلُ الضِّيَا

وَخَلْفَكَ أَحْلَامٌ تُضِيءُ وَتُزْهِرُ

*

وَكُنْتَ إِذَا نَادَى التُّرَابُ سَمِعْتَهُ

بِقَلْبٍ كَصَخْرٍ لَا يَلِينُ وَيُعْصَرُ

*

لَقَدْ عِشْتَ مِثْلَ اللَّيْثِ، تَرْفُضُ نَفْسُهُ

إِذَا مَا رَأَى الْأَعْدَاءَ تَطْغَى وَتَغْدِرُ

*

فَفِيكَ وُجُودُ الْحَقِّ قَامَ مُبَشِّراً

وَفِيكَ نُبُوءَاتُ الْأُبُوَّةِ تُثْمِرُ

*

فَلَوْلَاكَ مَا كُنَّا نُعَدُّ مِنَ الْوَرَى

وَلَا كَانَ فِينَا مَنْ يَرَى وَيُقَرِّرُ

*

فَمَا كَانَ فَقْدُ الْبَدْرِ فَقْدًا، وَإِنَّمَا

هُوَ الْفَجْرُ إِنْ جَاءَ الظَّلَامُ سَيُسْفِرُ

*

فَمِنْ نَفْحِ جُرْحٍ قَدْ تُفَتِّقُ وَرْدَةٌ

وَيَنْمُو رَبِيعٌ مِنْ دِمَاكَ وَيُزْهِرُ

*

وَقَدْ يَخْرُجُ الْمِسْكُ الدَّفِينُ مَتَى سَقَتْ

دِمَاؤُكَ تُرْبَ الْعِزِّ حَيْثُ تُفجَّرُ

*

وَكُلُّ انْطِفَاءٍ فِي جِرَاحِكَ غَائِرٌ

تَشُبُّ بِهِ النِّيرَانُ دَوْمًا وَتَسْعَرُ

*

وَكَمْ مِنْ صَبَاحٍ لَمْ يَجِئْ بخُيُوطِهِ

سِوَى طَيْف ظِلٍّ مِنْ ظِلَالِكَ يُخْبِرُ

*

وَأُمُّكَ تَبْكِي فِي الْخَفَاءِ كَأَنَّهَا

تَمُرُّ عَلَيْهَا الذِّكْرَيَاتُ وَتَعْبُرُ

*

تُقَبِّلُ تُرْبَ الْقَبْرِ شَوْقًا كَزَهْرَةٍ

تُصَلِّي عَلَى دِرْعِ الشَّهِيدِ وَتَذْكُرُ

*

جَلُودٌ وَفِي جُرْحِي نَزِيفُ مَعَازِفٍ

أُقَبِّلُ فِيكَ الصَّمْتَ، أَزْهُو وَأَفْخَرُ

*

تُحَدِّثُنِي الْأَيَّامُ أَنَّكَ نَجْمُهَا

فَأَبْكِي وَمِنْ دَمْعِي تَوَلَّدَ أَنْهُرُ

*

أَرَى فِيكَ مَعْنَى الْحَقِّ يَجْرِي كَجَدْوَلٍ

وَيَرْوِي ظِمَاءَ الصَّابِرِينَ وَيُنْصِرُ

*

تَرَكْتَ لَنَا حَدْبًا، وَهَمًّا، وَغَصَّةً

يُسَافِرُ فِيهَا كُلُّ حُرٍّ وَيُبْحِرُ

*

وَفِيكَ تَنَاهِيدُ الْبِلَادِ وَحِلْمُهَا

تَبُوحُ إِذَا عَيْنُ الْحَقِيقَةِ تُبْصِرُ

*

يَمُرُّ نَسِيمُ الصَّبْرِ فَوْقَ جِبِينِهِ

وَيَحْمِلُ ذِكْرَاكَ الَّذِي لا يُكَرَّرُ

*

وَمَا زَالَ فَوْقَ الرَّمْلِ خُطْوُكَ شَاهِدًا

يُقَبِّلُهُ التَّارِيخُ حِينَ يُسْطَّرُ

*

وَيَا قُبْلَةَ الدُّنْيَا عَلَى جُرْحِ بَاسِلٍ

تَنَامُ عَلَى أَكْفَانِهِ فتُعَطَّرُ

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

في نصوص اليوم