نصوص أدبية
نضال البدري: دون فنجان قهوة

لم يكن اللقاء عاديًا، بل كان صامتًا أكثر مما ينبغي، خافتًا، كأن الكلمات خجلت من أن تُقال.
جلست أمامه، تحدّق في وجهه وكأنها تفتّش عن شيء كان هناك قد اختفى.
لا لهفة، لا ذلك البريق المعتاد في العيون، لا ضحكة تفلت بين الحين والآخر، حتى الوقت بدا ثقيلًا، يتثاءب بينهما.
تأملته، كان شاردا كأنه يحادث أفكاره... لا يحادثها هي، مما زاد من توترها، تملّكها شعور بالإحباط.
قالت بنبرة حاولت أن تخفي فيها خذلا نها: بإمكانك الذهاب.
ثم أضافت وهي تشيح بنظرها عنه: أنت لم تطلب لي حتى فنجان من القهوة. ما جدوى جلوسنا، وعامل الكافتيريا لا يزال يترقب إشارة منك؟ لا قهوة، لا حديث، لا اهتمام.. صمتَ.
لم يجد ما يقوله، فقط تمعّن في الطاولة الخشبية أمامه، كأنه ينتظر أن تجيبه هي نيابة عنه.
وقفت، رتّبت حقيبتها الصغيرة وهمّت بالرحيل.
قال وهو يرفع رأسه فجأة: لكن لم تمضِ سوى عشر دقائق.
أجابت، دون أن تلتفت:
"لا بأس... الأسبوع القادم نلتقي وغادرت.
في الحافلة، كانت الخيبة تجلس بجانبها، وجدت مقعدا خاليًا بجوار رجل في الأربعين من عمره. في البداية، لم تنتبه له، كانت غارقة في التفكير، ترسم في رأسها سيناريوهات كثيرة لما كان يمكن أن يكون.
لكن بعد خمس دقائق، بدأت تشعر بنظراته تتسلل إليها. التفت بخفة، فإذا به يبتسم ابتسامة متصنّعة، ثم يعبث بهاتفه بطريقة مكشوفة، كأنه يبحث عن طريقة للحديث معها، أو أسوأ من ذلك، هو الحصول على رقمها دون إذن.
انكمشت على نفسها أكثر، ألصقت كتفها بالنافذة، متمنية أن تتوقف الحافلة فورًا.
اشتد الضيق داخلها. فجأة، بدا لها فنجان القهوة المفقود أغلى من لحظة النجاة.
قالت في سرها: ليتني لم أغادر.. ليتني بقيت لأعلم ما به، ماذا لو بادرت أنا بالسؤال، حتى دون قهوة، حتى وأن كان في الصمت.
أخرجت هاتفها، بحثت عن أسمه في قائمة الاسماء، ضغطت على زر الاتصال.
انتظرت...
"الجهاز مغلق، يرجى الاتصال في وقت لاحق.
ضغطت مرة أخرى، ثم ثالثة، ولا رد.
أعادت الهاتف إلى حقيبتها ببطء، وحدها أنفاسها كانت مسموعة، وداخلها شعور ثقيل، أثقل من فنجان قهوة لم يُطلب.
***
نضال البدري