نصوص أدبية
باقر الموسوي: هذا الوطن
هَذِهِ الأَرْضُ
رَقْعَةٌ لِلْمُقَامَرَةِ،
يَخْسِرُ الأحرار الرِّهَانَ،
فَتُبَاعُ النِّسَاءُ بِأَبْخَسِ الأَثْمَانِ،
وَيَذُوبُ الْعَدْلُ فِي صَمْتٍ طَوِيلٍ،
يَحْيَا فِي هَوَانٍ بَيْنَ صُرَخَاتِ الْجِيَاعِ
وَأَلَمِ الْيَتَامَى،
وَعُيُونِ اللَّيْلِ الَّتِي تُرَاقِبُ الْخَرَابَ
خَلْفَ كُلِّ بَابٍ، وَفِي كُلِّ زَاوِيَةٍ وَجَعٌ يَنْتَظِرُ.
*
إِنَّ شِعْرِي يَشْهَدُ عَلَى الْعَارِ،
عَلَى الْجُوعِ،
عَلَى خُدُودٍ جَفَّ احْمِرَارُهَا مِن كَثْرَةِ الدُّمُوعِ،
كَأَهْوَارِ الْعِرَاقِ،
وَيَسْمَعُ صَرْخَاتِ جَارَتِنَا الَّتِي يَأْكُلُ مَاءُ الشِّتَاءِ بَيْتَهَا،
وَيَسْتَحِي الصِّغَارُ مِن صَرَاخِهِمْ،
وَتَتَوَسَّمُ السِّنُونُ بِالصَّبْرِ وَالْبَلَاءِ.
*
تَلَأْلَأُ عُيُونُهَا بِالذِّكْرَيَاتِ،
وَاللَّيْلُ يَنْسُجُ طُولَهُ عَلَى مَدَاهَا،
يَهْمِسُ لِلرِّيحِ بِمَا تَبَقَّى مِنْ أَمَلٍ ضَائِعٍ، مَضَى وَفَاتَ.
*
تَتَوَقُّ إِلَى رَجُلٍ ذَهَبَ بَعِيدًا عَن مَدَاهَا،
تَشْتَهِي عِناقًا بَعْدَ طُولِ غُرْبَةٍ وَشِقَاقٍ،
وَكُلُّ خُطْوَةٍ مِنْهُ وَعْدٌ أَنَّ الْوَطَنَ لَا يَمُوتُ،
وَأَنَّ الْحُبَّ قَادِرٌ عَلَى الصُّمُودِ رَغْمَ الْخَرَابِ.
*
أَنَا عِرَاقِيٌّ، وَأَصْلِي عَظِيمٌ،
جُذُورِي مُزدهرة كَرِيمَةٌ
تخامر دجلة والفرات
هي جذور تَأْبَى الإنفلات
وَإِنْ أَطَاحَتْ بِهَا صَوَاعِقُ وَرُعُودٌ،،
سَتَظَلُّ شَامِخَةً،
كَالنَّخِيلِ فِي أَقْسَى الصَّحْرَاءِ،
كَالنَّهْرِ الَّذِي يَصِرُّ عَلَى الْجَرْيَانِ،
وَكَالْقَمَرِ الَّذِي لَا يَنْسَى أَنْ يُنِيرَ اللَّيْلَ لِلْحِيرَانِ.
*
هَذَا الْعِرَاقُ الْجَمِيلُ،
وَطَنُ الْعَزِّ وَالْبَهَاءِ،
كَيْفَ يَحْكُمُهُ الْجَهَلَاءُ وَالْمَوْتُ وَالْغَبَاءُ؟
وَكَيْفَ تَبْتَسِمُ الْأَرْضُ،
وَهِيَ تَغْلِي مِنَ الظُّلْمِ،
وَتَبْكِي عَلَى مَا حَلَّ بِهَذَا الْوَطَنِ السَّمَاءَ؟
*
لَنْ أَصْمُتَ، لَنْ أَسْتَكِينَ،
لَنْ أَتخاذَلَ وَلَنْ أَلِينَ،
سَأَصْرُخُ بِاسْمِ كُلِّ وَجَعٍ،
بِاسْمِ كُلِّ قَلْبٍ جَائِعٍ،
بِاسْمِ كُلِّ عَيْنٍ تَبْكِي فِي خَفَاءِ
وَلَا تَعْرِفُ الْأَمَانَ.
*
سَأَحْمِلُ جُذُورِي كَمَا تَحْمِلُ السَّمَاءُ النُّجُومَ،
وَسَأُغَنِّي لِلْغَدِ رَغْمَ الهلاك
سَأَبْنِي عَلَى رَمَادِ الْوَجَعِ أَمَلًا،
وَسَأَشْهَدُ لِكُلِّ شَهِيدٍ،
وَسَأَرْسُمُ الْحُرِّيَّةَ فِي صُورَةِ الْقَلْبِ وَالدَّمِ،
وَسَأَحْلُمُ بِوَطَنٍ يَعُمُّهُ النُّورُ وَالأَمَلُ،
وَتَزْهُو فِي قُلُوبِ أَحِبَّائِهِ وَيُغَنَّى لَهُ فِي كُلِّ دَارٍ وَزَاوِيَةٍ.
*
هَذَا وَطَنِي،
وَهَذِهِ أَرْضِي،
سَيَبْقَى الْعِرَاقُ شَامِخًا فِي صَحْرَائِهِ وَأَهْوَارِهِ،
فِي قُلُوبِنَا، فِي دِمَائِنَا، فِي حُلْمِنَا الْأَبَدِيِّ،
وَنَزْهُو بِاسْمِ كُلِّ الشُّهَدَاءِ،
وَنُمْضِي بِصُمُودٍ لَا يَعْرِفُ الْانْكَسَارَ،
حَتَّى يَزْهُو الْوَطَنُ مِنْ جَدِيدٍ،
وَيَعُمُّهُ ضَوْءُ الْحُبِّ وَالْأَمَلِ.
***
باقر طه الموسوي






