قضايا

محمد الدسوقي: السعادة السُقراطية

السعادة من المفاهيم التي لم يُقال الكلمة الأخيرة في تعريفها، سواء من المنظور الفلسفي أو النفسي، فلا تزال محل جدال وإشكالية لم يتم التوصل إلي تعريف نهائي لها، وذلك يرجع إلي نسبيتها وتَغُيرها، وقد كتب وتحدث عن السعادة العديد من الفلاسفة وعلماء النفس، ولكننا فضلنا في هذا المقال تعريف السعادة كما يراها سقراط، ذلك الفيلسوف اليوناني الذي غير وظيفة الفلسفة في عصره، وحولها من النظر إلي السماء وما وراء الطبيعة، إلي الأرض وما وراء الإنسان والبحث في فضائل الإنسان، ومعرفة ماهيات الخير والشر والسعادة .

فالفلسفة بشكل عام هي محاولة تبسيط كل معقد وليست العكس، ولهذا جاءت فلسفة سقراط فلسفة خصبة قائمة علي منهج التوليد، عن طريق إثارة العقول بالأسئلة، فهي فلسفة تساؤلية والسؤال هو أصل التفلسف والمعرفة .

ما هو معني السعادة لديك؟

بهذا السؤال أخذ فيلسوفنا يجوب شوارع أثينا يستفز ويسخر من إدعاء البعض الحكمة والمعرفة، فلم يكن هدفه التقليل من شأن الآخرين ولكن كان الهدف هو كشف جهل الإنسان بحقيقة الأشياء، فهو نفسه قال “أعلم إني لا أعلم شيئ”رغم معرفته الواسعة التي جعلته يُلقب فيما بعد بأبو المعرفة .

ما هو الرد علي سؤال السعادة السُقراطي؟

كانت الإجابة نسبية فالكل يري السعادة بزاوية مختلفة، فكان رد البعض بأن السعادة في المال، والآخر قال بأن السعادة في الأسرة والزوجة الصالحة، والبعض قال بأنها في السلطة والشهرة .

أختلفت مفاهيم السعادة، وجاء رد سقراط التساؤلي في محاولته لصك معني للسعادة شامل، قائلاً إذا كانت السعادة كذلك في المال او السلطة او الممتلكات، هل ستكون سعيداً ومعك المال والسلطة والشهرة وتشعر بالألم ؟بهذا تكون سعادة ناقصة فقد رأي فيلسوفنا بأن السعادة التي ينشدها معاصريه مادية بحتة وغير حقيقية، كلها تنصب علي تركيز الإنسان علي تحقيق اللذة المادية وحب التملك، بينما هي عكس ذلك، فيمكن أن يحوز الإنسان علي الكثير من الممتلكات ولا يشعر بالسعادة  الحقيقية ويتألم .

إذن السعادة السُقراطية الحاقة هي بداخلنا وبتحقيق الفضيلة والإعتدال . وبإسقاط السعادة السقراطية في عالمنا المعاصر، نجد هيمنة رأس المال واللغة الأكثر إنتشاراً هي لغة النقود، ولهث الإنسان وراء الإمتلاك، ولكن هل توجد لديهم السعادة الحقيقية ؟

من وجهة نظرنا نحن نمثل دور السعادة علي مسرح مزيف مسرح الحياة شديد التلون و التغير، فكم من رجل غني لديه من المال الوفير، ولكنه لا يستطيع شراء السعادة فهي ليست للبيع، وكم من فقير ولكنه لديه من القناعة والرضا والإعتدال ما مكنه من أن تصبح السعادة أنيسته، وللأسف في الأوساط الشعبية وبالأخص الريفية دائما ما نوصف الرجل الغني مادياً بأنه مبسوط، ولكن تلك نظرة ناقصة، فهناك من الأغنياء ما يعكر صفوهم وينغص حياتهم في الواقع المعيش، فقبل ان يتم صياغة بؤس الأغنياء في صورة دراما تجسدها الأفلام والمسلسلات كانت واقعاً ملموساً فهي ليست في المال ولا الجاه .

فالسعادة الحقيقية في داخلنا، طالما ظل الإنسان يبحث عنها في الخارج سيظل يدور في دائرة مُفرغة ولن يجد سعادته، الحقيقية إلا في داخل نفسه ورضاه عنها وإعتداله، بهذا تتحقق السعادة رغم إنها سعادة مؤقتة.

ولهذا جاءت فلسفة سقراط إنسانية خالصة، تحثُ علي أن نعرف نفسنا بنفسنا، دعوة للتأمل والتدبر في نفوسنا كبداية لفهمها وبالتالي معرفة السعادة، عن طريق تحقيق الفضيلة والإعتدال والرضا بما نملكه، وليس بالحصول علي ما لانملكه .

***

محمد أبو العباس الدسوقي

 

في المثقف اليوم