قضايا
سعاد الراعي: الخطوط المشتركة بين غرو وكلاين

فيما يتعلق بفلسفة العار وعقيدة الصدمة
جذب انتباهي عنوان نص في المثقف للكاتبة لندى حطيط موسوم ب " غرور يرسم خريطة التاريخ ل تحولات العار" المستند إلى كتاب "فلسفة العار عاطفة ثورية للفيلسوف فريدريك غرو " المنشور بتأريخ 31 .07. 2025، والذي يمثّل غوصاً جريئاً في منطقة ملغومة من النفس والمجتمع، تلك التي طالما جرى إسكاتها أو محوها باسم «الصحة النفسية» أو «التكيف الاجتماعي». إن ما يقدّمه غرو ليس ترفًا فكريًا، بل نداء أخلاقي يلامس صميم معاناتنا المعاصرة، حيث يُعاد إنتاج العار كأداة خفية للهيمنة لا كوعي تحرريّ، بل أداة للسيطرة تهدم الذات وتمحوها كصفحة بيضاء يجري إعادة كتابتها حسبما يتناسب والهدف المرجو.
بلغة حادة الوضوح، وسرد عميق، يُعيد غرو تعريف العار لا بوصفه سقوطًا فرديًا، بل كصرخة كونية ضد الظلم الممنهج، وكقوة كامنة في صمت المنسيين والهامشيين. العار هنا ليس لعنة، بل شعلة. ليس نهاية، بل بداية لإدراك موجع، يتحوّل ـ متى ما أُصغي إليه ـ إلى فعلٍ مقاوم، وإلى كتابة، وإلى رفض.
وما يجعل هذه القراءة ضرورية في زمننا، هو هذا التذكير الفلسفي بأن ما نخشاه ونواربه ونخجل منه، قد يكون هو ذاته ما يمنحنا فرصة للتماهي الإنساني، ولإعادة اكتشاف ذواتنا المطمورة خلف أقنعة الرضا الكاذب. فالعار، كما يقترح غرو، ليس ما ينبغي ستره، بل ما ينبغي الإنصات له، إذ قد يكون أول خيط في نسيج الخلاص والتحرر.
أوجه التقاطع بين فلسفة العار لفريدريك غرو وكتاب عقيدة الصدمة لنعومي كلاين.
بكل تأكيد، ثمة تقاطعات عميقة وبارعة بين فلسفة العار لفريدريك غرو وكتاب عقيدة الصدمة لنعومي كلاين، وإن انطلقت كل واحدة منهما من سياق تحليلي مختلف. فكلاين تُفكّك في عقيدة الصدمة الآليات النيوليبرالية التي تستغل الأزمات لفرض سياسات قهرية على الشعوب، بينما غرو يُحلّل العار كعاطفة خفية تُستخدم لضبط الأفراد والجماعات؛ وكلاهما في الحقيقة يضيء جانباً من تجربة القهر المعاصرة: أحدهما في الاقتصاد السياسي، والآخر في الشعور الوجودي.
ففي قلب عقيدة الصدمة نجد أن «الصدمة» ليست فقط حدثًا مادّيًا (حرب، كارثة، انقلاب)، بل هي أيضاً لحظة انهيار داخلي تُسلب فيها المجتمعات من قدرتها على التفكير النقدي والمقاومة. هذه الصدمة تُحدث فراغاً نفسياً وسياسياً يُملأ بإجراءات عنيفة تُفرض بوصفها علاجات. وهنا يتقاطع هذا مع فكرة غرو عن «العار» بوصفه لحظة انهيار داخلي، ولكنها – خلافاً للصدمة الصامتة – تحمل إمكانية للرفض والتمرّد إذا تم الإصغاء إليها.
نعومي كلاين تشير إلى كيف تُستخدم الأزمات لترسيخ الهشاشة والخضوع باسم "الإصلاح"، ويكشف غرو كيف يُعاد إنتاج العار كوسيلة لصناعة الطاعة الذاتية، لا بالقوة، بل بالخجل من الهوية والموقع والانتماء. كلا الخطابين يلتقيان في نقد ما يُسمّى بـ"التحرر الزائف": ذلك الذي يمنح الناس حرية الاستهلاك، ويصادر منهم حرية التعبير عن الألم، أو مساءلة البنية التي أنتجت هذا الألم أصلاً.
كلاين تكشف آليات "الهيمنة من الخارج"، وغرو يضيء على "الهيمنة من الداخل". كلاهما، بطريقته، يحثّ على مقاومة صامتة تصبح فيها العاطفة (سواء كانت صدمة أم عارًا) بداية لوعي جديد.
***
سعاد الراعي
70.312025.
........................
رابط المقال
https://www.almothaqaf.com/choices/982608