قضايا
سامح مرقس: خواطر حول التعليم المدرسي
"التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم".. نيلسون مانديلا
"يجب تعليم الأطفال كيفية التفكير، وليس ماذا يفكرون".. مارجريت ميد (خبيره الأنثروبولوجيا الثقافية)
يشجع التعليم الجيد على التفكير النقدي، والفضول العلمي، وحب التعلم مدى الحياة، ويعزز ايضا قبول التنوع، والتأمل الأخلاقي. كما يُهيئ الطلاب لخدمة المجتمع ومواجهة تحديات الحياة.
التعليم الناجح ينتج متعلمين مثقفين يتمتعون بالشجاعة الفكرية، والانفتاح، وينظرون إلى كل فكرة جديدة كفرصة للنمو وليس تهديدًا للذات.
يتطلب التعليم الجيد مناهج دراسية تعمل على تنمية العقول، ومعلمين أكفاء قادرين على الموازنة بين الاحترام والاستقصاء في الفصل الدراسي، مع القدره علي استخدام أساليب التعليم والتقييم الحديثة. كما ان المشاركة الأسرية الفعالة أمر ضروري لتحقيق النجاح التعليمي.
يُعدّ التعليم الابتدائي بالغ الأهمية لأنه يُنمّي المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والرياضيات، وحب الفنون والموسيقى. وهو المكان الذي يبدأ فيه نمو عقل الطفل وشخصيته وادراكه باهميه التمسك بالأخلاق الحميدة والنظافة الشخصية، وتناول الاطعمة الصحية وممارسه النشاط البدني. وينبغي تعليم الاطفال من خلال اللعب ورواية القصص والأنشطة التفاعلية، وليس من خلال الحفظ. فالهدف من التعليم الجيد هو إثارة الفضول، وليس إخماده
يُعتبر نظام التعليم الابتدائي في فنلندا الأفضل عالميًا بسبب نهجه الإنساني والمتوازن، وأدراكهم ان التعلم يزدهر على أكمل وجه عندما يسير وفق إيقاعه الطبيعي، دون أن يشعر الطفل بأن التعليم عبء يُثقل كاهله، بل هو أيضًا وقت للعب والمرح واكتساب معارف جديدة. التعليم في فنلندا مجاني، وتوفر المدرسة وجبات صحيه مجانية.
يعاني التعليم التقليدي من الاعتماد علي التلقين وحث الطلاب علي حفظ المقرر لضمان النجاح، وهذا يُنتج طلابًا غير مثقفين، بارعين في الحفظ، لكنهم ضعفاء في التفكير النقدي والإبداع، ويُعانون من التنافر المعرفي والانحياز التأكيدي، فيبحثون عن المعلومات التي تُعزز معتقداتهم ويتجاهلون كل ما يُناقضها، مما يجعلهم منغلقين فكريا وثقافيا.
لذلك، ينبغي ان يكون هدف التعليم هو انتاج متعلمين مثقفين يتمتعون بالشجاعة الفكرية والانفتاح الذهني والقدرة على مساءلة الواقع وتقبل الاختلاف.
بلا شك، يؤثر الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض علي الحصول على تعليم جيد. وغالبًا ما تعاني المدارس في المناطق ذات الدخل المنخفض من نقص التمويل، مع وجود عدد أقل من المعلمين المؤهلين، كما أن الصعوبات الاقتصادية تزيد من احتمالية التسرب المبكر من المدرسة. ومن ثم، فإن الفقر يؤدي إلى انخفاض المستويات التعليمية، مما يؤدي بدوره إلى ضعف فرص الحصول على وظائف جيدة، وإلى حلقة مفرغة من الفقر المستمر.
لذلك، يُعدّ التعليم المجاني أمرًا بالغ الأهمية لأنه يعزز المساواة بإزالة الحواجز المالية، مما يؤدي إلى حراك اجتماعي ومواطنة أكثر وعيًا وتفاعلًا. ومع ذلك، فإن فعالية التعليم المجاني تعتمد على الالتزام بمعايير الجودة العالية، و يجب أن يقترن بموارد كافية لتقديم تعليم جيد لضمان اكتساب الطلاب المهارات اللازمة للحياة والعمل.
يواجه نظام التعليم في بعض الدول الناميه مشاكل خطيرة، منها اكتظاظ الفصول الدراسية، مما يعيق التفاعل والتعلم الفعال. كما تعاني العديد من المدارس من نقص في المعدات والأدوات التعليمية الأساسية، ويُقدم التعليم بطريقة غير جذابة وبجدية مفرطة، مما يقلل من رغبة الطلاب في الالتحاق بالمدرسة.
كما يعاني اسلوب التعليم من كل سلبيات التعليم التقليدي، بما في ذلك تكدس المناهج وعدم تطويرها لمواكبة التطورات العلمية الحديثة واحتياجات سوق العمل. إضافةً إلى ذلك، يفتقر بعض المعلمين إلى المؤهلات الكافية ويتقاضون رواتب متدنية، مما يضطرهم إلى الاعتماد على الدروس الخصوصية. كما يوجد نقص كبير في معلمي المواد الأساسية.
وقد أدت هذه المشاكل إلى فقدان الثقة في التعليم العام بالدول الناميه، وتوسع التعليم الخاص، وانتشار الدروس الخصوصية في جميع مراحل التعليم. كما ارتفعت معدلات التسرب المدرسي، لا سيما في المناطق الريفية، بسبب الفقر وتدني جودة التعليم.
فيما يتعلق بالتعليم الديني في المدارس، ينبغي أن يقوم به معلمون مدربون على تقديم الدين بأسلوب تعليمي غير طائفي، يحترم الهوية، ويعزز الأخلاق الحميدة، ويتجنب استخدام التعليم الديني لترسيخ خطاب سياسي ديني.
في مصر قبل عام ١٩٥٢، كان الدين يُدرّس فقط في المرحلة الابتدائية، ثم استُبدل بعلم الأخلاق في المرحلة الثانوية، حاليا التعليم الديني إلزامي. أدخلت الحكومة المصرية حديثا نظام الكتاتيب الذي يوجد عليه تحفظات، إذ إن المناهج لن تُهيئ الطلاب لمهارات القرن الحادي والعشرين، كما أن الالتزام بالحفظ والتلقين يتعارض مع أساليب التعليم الحديثة.
في الختام، يجب ان يلتزم التعليم بروحه الأصيلة في تنميه العقل واكتساب معرفه جديده، وليس مجرد وسيلةٍ لاجتياز الامتحانات. اصبح التعليم في بعض الدول الناميه سوقٍ تُستنزف فيه الدروس الخصوصية الطلاب، وتحول التعليم الي منتج قابل للتسويق، والطلاب إلى مستهلكين، والشهادات إلى سلع. ويأتي هذا على حساب الأهداف الاجتماعية والثقافية للتعليم، وهي تنشئة أجيال متعلمة ومثقفة قادرة على خدمة المجتمع وتنميته.
علينا أن ندرك أن أخطر ما يواجه التعليم ليس نقص الموارد، بل فقدان المعنى؛ عندما يصبح الهدف النهائي الشهادة والدرجات، وليس العقل القادر على التفكير والإبداع.
***
بقلم استاذ دكتور سامح مرقس






