قضايا
شيماء هماوندي: كيف تغير الفلسفة حياتك؟
الفلسفة بوصفها علاجاً لمشكلات الإنسان المعاصر
غالباً ماترتبط الفلسفة بالترف الفكري والقوانين النظرية في ذهن الإنسان البسيط، خاصة أولئك البعيدين عن المجال الفلسفي، وقد يراها البعض مجرد نظريات وأفكارغير مجدية، ولكن في الحقيقة، فإن الفلسفة بصيغتها الواقعية الجديدة مهمة للسبب ذاته، لأنها تعرفنا على أفكار الفلاسفة ونظرياتهم في مختلف العصور، وتدفعنا الى التأمل والتحليل والتفكير النقدي، والسعي وراء المعرفة، وفي الواقع أن دراسة الفلسفة لا تقتصر على تنمية مهارات مثل التحليل المنطقي، والتفكير النقدي فحسب، بل تمثل علاجاً لمشكلات الإنسان الفكرية، وهمومه اليومية، وتتيح لنا الفلسفة أيضا فهم أنفسنا وحياتنا وبالتالي العمل على تحليل أسباب مشكلاتنا بأنفسنا، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها، ويتحقق ذلك من خلال النظر في أسئلة جوهرية هي من صميم الحالة الإنسانية، من بين هذه الأسئلة: من نحن؟ ماهو دورنا في المجتمع المعاصر؟ وماهي مشكلاتنا ومخاوفنا وماهي أسبابها ؟ وماهي الحياة الواقعية وكيف نعيشها؟
هذه الأسئلة وغيرها تدفع المتأمل فيها الى البحث عن أجوبة وحلول لمعاناته ومشكلاته، من خلال التعرف على أفكار الفلاسفة ونظرياتهم، والإستفادة من تطبيقاتها العملية في حل المشكلات المعاصرة، وفي مد يد العون للإنسان المعاصر، ومساعدته على مواصلة التقدم في الحياة، ومواجهة المشكلات والمخاوف اليومية، وإيجاد حلول لها، كذلك فإن الإستعانة بالفلسفة في حل المشكلات الحياتية اليومية هو ليس بالموضوع الجديد، بل إن الفلاسفة القدماء إهتموا بهموم الإنسان وحاولوا إيجاد حلول لمشكلاته الفكرية، وأزماته النفسية، وإهتموا بالجانب العملي من الفلسفة ليطبقوا أفكارهم الفلسفية في صورة حلول واقعية للمشكلات الإنسانية، فنجد أن سقراط وآرسطو يؤكدان ان المعرفة فضيلة والجهل رذيلة ، ويشير آرسطو في كتابه (الأخلاق النيقوماخية) الى أن السعادة تنبع من الفضيلة، ويشير الى ضرورة التعلم من الأخطاء، وعدم الوقوع فيها من جديد.
كيف تساعدنا الفلسفة على تغيير حياتنا؟
إن الإنسان المعاصر مرهق ومثقل بهموم العمل والسعي الى المكانة الإجتماعية، والقلق حول الوضع الإجتماعي والمادي ومواكبة التكنولوجيا، وبالرغم من أن الحياة في ضل التقدم التكنولوجي أصبحت أسهل اليوم، إلا أن المنافسة أصبحت أكبر وأصعب، والرغبة في مواكبة التطور ترهق الإنسان فكرياً وجسدياً، وتؤثر سلباً على قدراته العقلية، والنفسية، والجسدية، وقد يؤدي فرط إستخدامه للتكنولوجيا الى تراجع قدراته الفكرية، لذلك فإن مهمة الفلسفة الأساسية في عصرنا الحالي هو الحفاظ على قدرات الإنسان الفكرية والإبداعية، والعمل على إعادة صلة الإنسان بذاته ومجتمعه، والوعي بوجوده والعيش في الحاضر، والتحرر من القلق حول المستقبل، حيث إن دراسة الفلسفة ومناقشة المسائل الفلسفية تعمل على تحفيز وتنشيط التفكير الإبداعي لدى الإنسان المعاصر، وتساعده على تنمية مهارات التحليل المنطقي، والتفكير النقدي والإبداعي.
إن دور الفلسفة في المجتمع المعاصر يتمثل في تقديم أدوات التحليل المنطقي والتفكير النقدي لمساعدة الإنسان في تحليل المشكلات، والوصول الى الحلول، وإن تغيير الأفكار يعقبه تغيير العادات اليومية والتي يؤدي تغييرها الى تغيير الواقع الذي يعيش فيه الإنسان وتغير حياته للأفضل، حيث ان تبني الأفكار الإيجابية و وجهات النظر الجديدة يؤدي الى تغيير نظرة ورؤية الإنسان لعالمه ولواقعه وحتى مشكلاته، ويساعده كل ذلك على التخلص من التوتر والقلق ،ويتيح له فرصة للعيش بطريقة أفضل، وتساعد الفلسفة الانسان في تغيير أفكاره السلبية وإستبدالها بأفكار إيجابية، فالتفكير المنطقي يساعد الإنسان في الوصول الى حلول واقعية لمشكلاته اليومية ، وبالتالي التخلص من كل ما من شأنه أن يعكر صفو حياته، وكذلك تساعد الفلسفة الإنسان على تغيير العادات السلبية من خلال جعل الفلسفة نمط حياة، وفناً للعيش بحكمة وسعادة.
***
شيماء هماوندي - أستاذة الفلسفة والعلاج الفلسفي
أربيل / جامعة صلاح الدين / كلية الآداب \ قسم الفلسفة






