دراسات وبحوث
عبد الأمير كاظم زاهد: الاتجاه الإخباري في التطور الشيعي
الفرقة الإخبارية هي فرقة من الشيعة الإمامية ظهرت في أوائل القرن الحادي عشر الهجري على يد الميرزا محمد أمين الاسترابادي. تبنت منهجًا مغايرًا للمسلك الاجتهادي الأصولي عند الشيعة الإمامية، وادعت أنها امتداد للتيار الروائي الشيعي الذي ظهر في القرن الرابع الهجري. وقد نسبها بعضهم إلى الصدوق (ت381هـ).
المنهجية الإخبارية تتضمن النقاط التالية:
1. عصمة الأنبياء والأئمة:
يؤمن الإخباريون بأن الله تعالى اصطفى النبي والأئمة ليكونوا حججًا لله على الخلق، وقد عصمهم من الخطأ والزلل، ومنحهم خصائص عالية. كما أودع فيهم أسرار القرآن، فلا تُفهم دلالات القرآن إلا بتفسير من واحد منهم. لذلك، يعتمدون فقط على تفسير القمي والعياشي.
2. مفهوم السنة:
بالنسبة لهم، فإن مفهوم السنة واسع جدًا ويشمل أقوال وسلوك النبي والأئمة الاثني عشر. المرويات عنهم كاشفة عن مراد الله تعالى، وبالتالي فهي المرجع الأساسي لأحكام العقيدة والقانون، لأنها منقولة عن المعصومين. لذلك، يعتقدون بمرجعية الكتب الأربعة وصحتها المطلقة.
3. تمحيص الروايات:
لا ينبغي عندهم تمحيص الروايات أو رد بعضها، حيث إن مشايخ الرواية هم الذين نقلوا ما صدر عن الأئمة، وهم يقطعون بصحة كل ما ورد في الكتب الأربعة (الكافي، من لا يحضره الفقيه، التهذيب، الاستبصار).
4. القرآن الكريم:
القرآن الكريم لا يحتاج إلى تأويل من قبلهم، حيث إن مهمة الأئمة هي بيان النصوص. لذلك، يتمسكون بظاهر الحديث ويتعاملون معه حرفيًا سواء كان مؤسسًا للحكم أو مبينًا لمراد قرآني.
5. رفض الاجتهاد:
لا يرون حاجة للاجتهاد مادام الله قد تكفل ببيان الشريعة من خلال الأئمة. لذا، يرفضون الاجتهاد الفردي أو الجماعي (الأجماع)، ويصرون على أن الأصول المرجعية هي فقط القرآن والمرويات.
6. رأي الأصوليين:
يرى الأصوليون أن الكتب الأربعة قد جمعت المرويات عن الأئمة، وأن الأحاديث الواردة فيها لا تصح كلها لعوامل تاريخية وسياسية، لذا لا بد من منهج ومعيار لفرز الصحيح منها. فقاموا بتقسيم الأحاديث إلى: (الصحيح، الحسن، الموثق، الضعيف) منذ القرن الثامن الهجري.
7. البراءة في الشبهات:
يذهب الإخباريون إلى عدم جريان البراءة في الشبهات الحكمية التحريمية، بينما يرى الأصوليون صحة جريان البراءة فيها.
8. الكتب الأربعة:
يعتقد الإخباريون بأن الكتب الأربعة هي أصح المصادر للمرويات، ويؤكد الفيض الكاشاني (ت1090) أن مدار الأحكام على هذه الأصول الأربعة، وهي المشهورة بالصحة.
9. الروايات:
يرون أن نظر الأئمة وأصحابهم في نقل الروايات يجعل البحث في الأسناد والمتون غير ضروري.
10. الاختلاف مع الأصوليين:
يعتقد الإخباريون أن علماء الشيعة الأوائل كانوا في الأصل إخباريين، إلا أن هذا المسلك قد تزعزع في القرن الرابع الهجري بسبب تأثر الفقهاء المتأخرين بمسلك أهل السنة.
11. علماء كبار في هذا المسلك:
من أبرز العلماء الذين انتسبوا لهذا المسلك الفيض الكاشاني، يوسف البحراني، الشيخ المجلسي، والحر العاملي. ويُعتبر الاسترابادي هو الشخصية الأبرز، حيث قيل إنه أول من فتح باب الطعن في المجتهدين.
12. جوهر الخلاف بين الإخباريين والأصوليين:
يرى البعض أن الخلاف بين الإخباريين والمجتهدين فقط في منهاج الاستنباط، لكن في مجال الاعتقاد لا نجد اختلافًا كبيرًا. على الرغم من أن الإخباريين يؤمنون بالولاية التكوينية والرجعة، وهي عقائد مختلفة عند الأصوليين.
13. التقليد:
في مجال التقليد، يرون أن التقليد يجب أن يكون للمجتهد المعصوم فقط حتى بعد موته، رافضين التقليد للمجتهدين العاديين.
وقد أورد صاحب "الروضات" أن هناك أربعين مسألة اختلاف بين الإخباريين والأصوليين، وزادها الميرزا محمد الإخباري إلى تسعة وخمسين.
ظروف نشأة الحركة الإخبارية
نشأ المفكر الإخباري محمد أمين الاسترابادي في إيران، ثم استقر ودرس في الحجاز، قبل أن ينتقل إلى كربلاء بالعراق. قاد الاسترابادي الحركة الإخبارية وساهم في اتساعها في عهد الشاه طهاسب (1577م)، مما شكل تيارًا رافضًا لنفوذ فقهاء السلطة الصفوية التقليديين. يُرجح أن للحركة جذورًا سياسية تتعلق بالعلاقة المتوترة بين الفقهاء المجتهدين في بلاط الصفويين والسياسيين.
النقد للاجتهاد
وجه الإخباريون نقدًا كبيرًا للاجتهاد، حيث كان مصطلح "الاجتهاد" في عصر المحقق الحلي يعني القياس والاستحسان والرأي. ورأوا أن هذا الفهم تسبب في ضياع التراث الروائي، بينما كان الأصوليون يعتبرون مسلكهم دفاعًا عن الطابع العقلي للنصوص.
الإخباريون والسلطة الصفوية
كان الإخباريون ينتقدون تدخل الفقهاء في السياسة، وكانوا يرون أن هذا التدخل يؤدي إلى ضياع الأصالة الدينية. كما أشار الاسترابادي إلى أن الفقهاء الذين تبعوا أهل السنة في التصورات الأصولية قد تأثروا في بعض آرائهم بالحنفية.
المراجعات الفكرية
من أشهر فقهائهم، الشيخ يوسف البحراني الذي بدأ إخباريًا، لكنه أجري مراجعات فكرية أدت به إلى تبني موقف أكثر توازنًا. كما كان محمد أكمل البهبهاني من أبرز العلماء الذين حدوا من انتشار الفكر الإخباري.
التداعيات
1. يُحتمل أن نشوء الحركة الإخبارية كان نتيجة لصراع المؤسسة الفقهية مع السلطة الصفوية.
2. ظهور الحركة الرشتيه كان امتدادًا للفكر الإخباري، لكنها افتقدت للمستند والدليل الصحيح.
3. الأزمة الإخبارية أجبرت المجتهدين على إعادة النظر في مسالك الاجتهاد.
4. تطور الفكر الإخباري بظهور تيار الشيخية بقيادة كاظم الرشتي
***
ا. متمرس. د. عبد الأمير كاظم زاهد






