أقلام ثقافية

حسين صقور: أسعد فرزات.. يستثمر الألم في لوحة

هناك علاقة مرنة تربطه بالصدفة وهو القادر على ترويضها دوما وعلى إعطائها شكلاً يشبهه وينتمي لعوالمه مؤكد في هذا على أن الفن اكتشاف.. وأن رشقات اللون على سطح العمل لا تخلق أشكالها اعتباطا ً طالما كانت مرتبطة بعوالم الذات وطالما كان الفنان المكتشف صديقنا العزيز أسعد فرزات.

سحره يكمن في قدرته على تحويل كل السطوح المشغولة مسبقاً بأقل قدر من الجهد واللمسات لأعمال تنتمي لأسلوبيته ولذاته وحياته وهو يلخص أشكاله المؤنسنة لتبدو كما ظلال تخترق جدار الخلفية لتتحول إلى نافذة تتطلع للحرية هو تلخيص شفاف مشحون بحس إنساني لعوالم غرائبية تشدك إليها بسحر ما ثم تشغلك برغبة الإمساك بالسر والخيط المؤدي لاستكشاف أبعادها الجمالية وقيمها الروحية.

والسر هنا يكمن في حركة بسيطة وعفوية ومخالفة تشدك إليها عبر جديلة شعر قادرة على تغيير المسار.. أو ربما في سوار يضعه في مكان ما ليبدو كما لو انه اللوغوا الخاص به وبأعماله.1406 hasan

تنتمي أعمال فرزات للتعبيرية والتجريد وهو يمازج ما بين الطرح العفوي والرؤية الهندسية فعقليته الأكثر تنظيماً تجد لها دوراً كاشفاً في المراحل الأخيرة للعمل وهي تتجلى عبر مساحات صماء لا تخلو من قطع هندسي يمتد إلى الأعلى او إلى الأسفل بدرجة واحدة أفتح او أغمق تخدم التكوين وتربط مفردات الشكل.

أمام أشكال اسعد فرزات أنت لن تتساءل عن النسبة والتناسب فلمخلوقاته الغرائبية نسبها المختلفة التي تعكس قدرة الفنان على خلق توازنات حسية من أي زاوية كانت وفي أي مكان كان.. لتبقى لوحاته عالقة في ذاكرة الزمان..1407 hasan

أما معرضه الذي أقيم مؤخراً تحت عنوان (وجوهنا التي غادرتنا) فهو يترجم خلاصة الألم الإنساني عبر مجموعة من الوجوه المتشابهة بملاح غائبة.. عبثاً تلاحق تفاصيلهم بخوف علك تتعرف على أخ أو أو أخت ابن أو ابنة غائب ة بينهم فلا تجد فيهم سوى ذاتك الممزقة بكل ما يعتملها من شوق وحنين وآلام.. وحين تعاود المتابعة ينتابك الخوف مجدداً فأنت كما الفنان لا تريد أن تخصصهم بأية هوية عرقية أو طائفية فهويتهم الأسمى هي الانسان.. لن تبحث بعد هذا أن قريب لك بينهم فكلهم صاروا أقارب.. هم ضحايا الحرب والضحايا طرف آخر مكونه الأبرياء من الجانبين.. لا تخلو بعض الوجوه أيضاً من نفس ساخر كاريكاتيري هو متنفس ومساحة لإطلاق بعض من السباب.. والحقيقة طالما كان لماهية الفن غرض تنفيسي وبتلك الصورة يجد الشتام مبرراته ويصير أكثر قبولا إذ يتطهر من كل السلبيات وترتقي في اللوحة غاياته1408 hasan

أختم بالقول (متوجهاً لصديقي الفنان): ابق كما عهدتك مستثمراً لكل الآلام في عمل ابداعي يميزك كفنان وأنت المميز بعيداً عن السوقية ودمائها القانية الملطخة بالشتيمة ومطباتها اللئيمة.

وللإنسانية أقول: كفانا دماء.. كفانا قهرا لقلوب الأمهات والأبناء.. ف والله لا أراه سوى صراعا ما بين أعضاء الجسد.. . ولا دواء لنا فيه سوى التخلي عن أطماعنا وأحقادنا صوى العودة لحقيقتنا وإنسانيتنا والله لا دواء لنا فيه سوى المحبة.. وبغير المحبة قد نفقد كل الأحبة.

***

الفينيق حسين صقور

 

في المثقف اليوم