أقلام ثقافية
علي حسين: عن الكتب المدهشة

عندما سأل امبرتو إيكو عن تجربته في كتابة روايته " اسم الوردة " أجاب كنت أحاول أن أمزج بطريقة هوجاء بين الأفكار الأكثر غرابة. كنت أقول مازحاً، ما فعله نيتشه في هكذا تكلم زرادشت، أو ما فعله جيمس جويس في يوليسيس، أحاول أن أفعله في رواية فلسفية مشوقة. ولكني اكتشفت بعد ذلك إن علينا أن نترك العظماء فوق عروشهم دون أزعاجهم "
يعلمنا فردريك نيتشه المولود عام 1844، أن علينا ان لا نقرأ الأدب والفلسفة على إنهما نوع من أنواع الكتابة، وإنما أن نقرأ كلا الأمرين على إنهما شكل من أشكال الحياة.. يوصف كتاب " هكذا تكلم زرادشت " الذي نشر ما بين عام 1883 و 1885، بأنه رحلة روحية في العالم الحديث، ونيتشه نفسه قد دعاه " دعوة صادرة من أعماق نفسي ". فالكتاب يقدم آراء نيتشه الفلسفية في قالب فني، ويمثل الإتجاه الصوفي الذي اتخذه في أواخر حياته.يكتب نيتشه في " هذا هو الإنسان " إن: " الفكرة الرئيسة في كتاب هكذا تكلم زرادشت هي فكرة العود الأبدي، لقد دونت تلك الفكرة في مذكرة سريعة على ورقة مع حاشية تقول: ستة الآف قدم وراء الإنسان والزمن، في يوم من عام 1881، كنت أتمشى عبر الغابات وتوقفت بجانب صخرة ضخمة مرتفعة على شكل هرم، وهناك طرأت لي الفكرة. حيث اكتشفت علامة تحذير على شكل تغير فجائي وعميق طرأ على ذوقي – وخاصة في مجال الموسيقى. وربما يمكن توصيف كتابي ( هكذا تكلم زرادشت ) بالكامل على انه موسيقى – فأنا متأكد من أن ولادة جديدة، نوع من عصر النهضة في داخلي عن فن الانصات كان شرطاً لازماً لهذا الكتاب."
منذ صدوره اعتبر كتاب (هكذا تكلم زرادشت) من اكثر الكتب إثارة للجدل، حاول نيتشه أن يقدمه الى المطبعة باكثر من جزء ، وقد تأخر صدور الجزء الأول بسبب انشغال المطبعة بطبع نسخ من التراتيل الدينية، وعندما أرسل الجزء الثاني الى الطبع رفض صاحب المطبعة، طباعته بدعوى انه كتاب فاشل، وكان كلام الناشر صحيحاً، فلم يبع من الجزء الاول سوى أربعين نسخة، حيث استقبِل الكتاب ببرود قاتل من قبل المهتمين بالفلسفة، فلم يُرحب به أحد بل حتى زملائه السابقين في الجامعة اعتبروا الكتاب فاشلاً لأنه يريد أن يقتل جميع الأديان والآلهة:"لأنني عشت جميع الأخطار، فسأدفنكم بيدي أنا، لقد ماتت الآلهة القديمة منذ زمن بعيد، ولقد كانت نهايتها حسنة وفرحة". ويذهب نيتشه أبعد من ذلك حين يعلن " إن الضعفاء والعجزة يجب أن يفنوا، هذا أول مبدأ من مبادئ حبنا للإنسانية "، تلك هي القيم التي بشر بها زرادشت نيتشه فليس الوجود إلا "الحياة"، وليست الحياة إلا "الإرادة"، وليست هذه الإرادة إلا "إرادة القوة". بعد ذلك نسمع زرادشت وهو يقول واعظاً:"عيشوا حياة الأخطار وأقيموا مدنكم الى جانب الأقوياء، وابعثوا بسفنكم الى البحار المجهولة، ثم عيشوا حالة حرب ".
يؤكد نيتشه إنه ما من أحد قادر على انتاج عمل فني عظيم من دون تجربة، أو تحقيق مكانة دنيوية متميزة، ولهذا نجده معجباً بالفيلسوف الاغريقي ابيقور الذي اعتبره " مسكن الارواح " و " أحد أعظم البشر، مبتكر اسلوب بطولي – رعوي من التفلسف "، لم يكن كتاب هكذا تكلم زرادشت إلا حلماً من الأحلام التي تسجلها العقول العظيمة وكما اعترف نيتشه:" إنها روح طغت على كل ما يحدها ".
***
علي حسين