أقلام ثقافية
غريب دوحي: توماس مور.. فيلسوف التسامح

نستطيع القول أن لكل فيلسوف او عالم او مفكر تخصصه في حقل معين من الحقول: فسقراط كان شعاره (اعرف نفسك) وعرف عن ارسطو انه زعيم المنطق وهيجل كان فيلسوف العقل وحتى العلماء كانت لهم اهتماماتهم الخاصة كدارون وتوماس اديسون وانطوان لا فوزيه وغيرهم - ان اهتمام توماس مور كان حول التسامح وخاصة التسامح الديني لأنه عاش في عصر النهضة الأوربية. التي فتحت الابواب امام الأوربيين لحياة جديدة بعد اغلاق ابواب ونوافذ العصور الوسطى التي كانت السيطرة فيها للكنيسة على كل مفردات الحياة.
توماس مور.. سيرة حياة
هو مفكر وسياسي وقانوني انكليزي ولد في لندن ودرس في جامعة (اوکسفورد) اهتم بدراسة القانون واصبح عضواً في مجلس النواب ثم رئيساً لمجلس القضاء الاعلى الا انه كان في خلاف دائم مع النظام الملكي في انكلترا وخاصة مع الملك (هنري الثامن) حيث رفض توماس الحضور في حفلة تتويج الملك فاخذ الملك يحوك المؤامرات ضده فاتهم بانه مرتشى ثم وجهت اليه تهمة الخيانة العظمى فالقي في السجن وقد نفذ فيه حكم الاعدام بتاريخ ٦ تموز 1525 م لرفضه الاعتراف بالملك هنري الثامن رئيساً للكنيسة.
كتاب اليوتوبيا
يعد توماس مور توسى الاشتراكية الخيالية ذلك لانه الف كتاباً سماه (اليوتوبيا) وتعني الكلمة (المكان الذي لا وجود له) تخيل فيه الحياة في جزيرة سماها بهذا الاسم وقد نسج في هذا الكتاب على منوال افلاطون -في كتابه المسمى جمهورية أفلاطون) ومن الجدير بالذكر ان الكثير من الفلاسفة تأثروا بهذا الكتاب مثل الفارابي الذي سمى كتابه (المدينة الفاضلة) واخوان الصفا الذين اطلقوا على مدينتهم اسم (مدينة الله). لقد اصبح كتاب (اليوتوبيا) مرجعاً للفكر الاشتراكي حتى نهاية القرن الثامن عشر حيث ظهرت أول نسخة منه باللغة الإنكليزية في عام ١٥٥١ م ثم نشر باللغة اللاتينية عام ١٩١٦ والكتاب يسخر من نظام الحكم والمجتمع في انكلترا، لقد تخيل مور هذه الجمهورية الخيالية بانها تعيش في تسامح دائم فلا نزاعات بين الكنائس والأديان والمذاهب ولا حروب عنصرية.
ان المبادئ التي يقوم عليها مجتمع هذه الجزيرة هي الملكية المشتركة والتعليم لجميع افراد المجتمع وفرض العمل على الجميع، والمخازن عمومية تزود كل فرد بما يحتاجه مجانا. وان مدة العمل ست ساعات في اليوم وتتمتع المرأة اليوتوبية بالمساواة التامة في الحقوق والواجبات وهي لا تتهم الا بالجمال الطبيعي ولا تستخدم مستحضرات التجميل. فجمال الخلق قبل جمال الخلقة، وفي ظل هذا الوعي فان سكان (يوتوبيا) يحتقرون الذهب فيصفون منه كعادات للاطفال، هذا ما جاء في كتاب جزيرة يوتوبيا الذي الفه الفيلسوف (توماس مور).
توماس مور وايامه الاخيرة
عرف عن مور دماثة خلقه وثباته على المبدأ وروحه المرحة , يصفه أحد اصدقاءه بانه كان شعلة في عصر الظلام وانه كان مؤمناً بالله وبوطنه، صدر عليه الحكم بالاعدام وهو جالس على كري الاتهام. في شجاعة نادرة رفض طلب زوجته ان يتبرأ من مبادئه حتى يسلم من الموت لكنه رفض طلبها ولم يستسلم للمرض الذي كان يأكل صدره. عندما قاده الجنود إلى آلة الاعدام وقف لحظة وطلب من الجنود ان يا يأجلوا اعدامه بضع دقائق حتى يحلق لحيته التي اطلقها في السجن فاستجابوا إلى طلبه وعندما بدأ يحلق لحيته اخذ ينظر الى الشعرات المتطايرة في الهواء والابتسامة على وجهه ثم قال:(لقد كانت هذه الشعرات رفيقتي في سجنى ولا اريد لها الموت معي.. انها تستطيع الآن ان تتطاير بحرية كاملة في الهواء).ونظر مور إلى الجندي المكلف بإعدامه وقال له:(والآن ايها الصديق قم بواجبك ولا تدع الخوف يسيطر عليك).
وهكذا انتهت حياة هذا الفيلسوف الذي لقبه الغربيون ب (فيلسوف التسامح)، وقد وضعه البعض في صف الفلاسفة الكبار الذين كان يطلق عليهم وصف (انبياء الغرب) كتولستوي وتوما الاكويني وسقراط واوغسطين، الا ان اسم توماس مور بقى رمزاً للحب والوفاء والمثل العليا وفي مقدمتها التسامح الديني.
***
غريب دوحي