قضايا
علجية عيش: هل الذكاء الاصطناعي ضرورة تقنية أم حضارية؟
أسئلة عديدة يطرحها اللغويون إن كان الذكاء الاصطناعي بإمكانه أن يستوعب تعقيدات اللغة العربية؟ وما هي التحديات التي تواجه اللغة العربية في عصر الثورة الرقمية، حيث تولدت عنها مفاهيم ومصلحات جديدة مثل الأنجلة والعولمة اللغوية وماهي النتائج المترقب اكتشافها أو معرفتها أمام ما تعيشه الأمّة من تعدد لغوي وصراع لغويٍّ، أضحى يهدد مستقبل اللغة العربية، لما قد يحدثه هذا الصراع من تمزيق للبنية الاجتماعية، فالعولمة والرقمنة تخفي هيمنة لغوية ثقافية
هي أفكار وتساؤلات طرحها خبراء في ندوة مركز الشهاب للبحوث والدراسات بشرق الجزائر، الذي اعتاد على تقديم جهود جبارة ومتميزة للإسهام في علاج القضايا المطروحة في الساحة، وما تعلق باللغة العربية وتعزيز قيمتها، في ظل ما يتردد في الساحة اللغوية بأن العربية الآن لا مكانة لها وأنها مجرد لغة تراثية وقال البعض أنها لا تصلح إلا في المساجد، فهي الآن ليست لغة العلم ولا لغة الحضارة، رغم أنها صنعت مكانتها عالميا بعد اعتراف الأمم المتحدة بها باعتبارها من أكثر اللغات انتشارا في العالم، في ظل التطور التكنولوجي الرقمي، حيث فرضت اللغة العربية نفسها في مجال الرقمي، ناهيك عن كونها لغة مقدسة عند المسلمين وبها نزل القرآن الكريم، لكن خصومها وأعداؤها يريدون إقصاءها وهذا لأسباب سياسية وإيديولوجية، كذلك بسبب انهيار المنظومات التربوية والثقافية وحتى الجامعية، فجاءت هذه الندوة لتسلط الضوء على أهمية اللغة العربية ومدى تطورها في عالم الرقمنة، بعد أن أصبحت لغة جامعة وعالمية، وماهي الصورة التي يمكن رسمها عن اللغة العربية بعد ظهور الذكاء الاصطناعي، حيث بات حتميا ربط هذا الأخير باللغة العربية.
فاللغة العربية اليوم تواجه تحديات جوهرية في مجال الذكاء الاصطناعي، هو سؤال أجاب عليه المفكر الدكتور علي حليتيم رئيس مركز الشهاب للبحوث والدراسات (سطيف الجزائر) حين قال أن الخيانة وراء تعرّض اللغة العربية للهجوم من قبل خصومها وأعدائها، مشيرا أن الاستعمار الفرنسي في الجزائر (كعينة) هو استعمار هوياتي، فقد كانت فرنسا تطلق على الرجل الجزائري اسم الإنسان البدائي primitif وتنعته بالجهل والتخلف، وقال أن الجزائر هي ثاني بلد فرانكفوني في العالم، ولذا ظلت الجزائر محتلة، والآن فرنسا تحتلنا سياديا بعد 63 سنة استقلال، وقد عاد علي حليتيم إلى الوراء متحدثا عن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا ليس بإلغائها اللغة العربية وحل مكانها اللغة الفرنسية وغلقها للمدارس والمساجد فحسب، بل في معاملتها للجزائريين بوحشية وبخاصة النساء، من خلال مذكرات المجاهدة لويزة إيغيل أحريز والمعاملة الوحشية التي تلقتها من قبل الفرقة العاشرة للمظليين بقيادة الجنرال ماسو، عام 1957، حيث كشفت في مذكراتها تفاصيل التعذيب والاغتصاب، ولا يزال مقر الفرقة العاشرة يقول الدكتور حليتيم إلى اليوم حيث استغلته السفارة الفرنسية مقرا لها، وهو بلا شك يُذَكِّرُ الجزائريين بجرائم فرنسا ووحشيتها .
حقيقة أخرى ذكرها الدكتور علي حليتيم وهي قيام المجمع اللغوي العربي الذي تأسس في 1919 بحل اللغة العربية وإدخال الكلمات الدخيلة في المعاجم، مذكرا بالتجربة التركية التي حاربت اللغة العربية إلى أن تقلصت وانكمشت، فأثرت سلبا على الهوية والثقافة العربية، هي طبعا جرأة رجل "رسالي"، لا دينه ولا ضميره يسمح له بإخفاء الحقائق، أو تغليط الناس من أجل إرضاء جهة معينة، خاصة إذا تعلق الأمر بالهوية واللسان، ففهم اللغة مهم جدا لإحداث التقارب بين البشر وبناء جسور بينهم دون تحيّز، هو ما أكده الدكتور محمد قماري من جامعة بسكرة، حيث أبان على خصوصية اللغة العربية وما يميزها عن اللغات الأخرى، فامتداد اللغة العربية جعلها قابلة للحياة عكس الفرنسية وهو ما سبب -على سبيل المثال- اختلاف في طريقة تدريس الطب باللغة العربية، حيث تحولت مجامع اللغة العربية كما يضيف إلى بيروقراطيات بحكم أن اللغة العربية فيها تنوع اللهجات وهي من الأمور التي ينبغي على المتخصصين تقريبها، لمعرفة ماذا يقدمه الذكاء الاصطناعي من نتائج .
فموضوع اللغة العربية في سياق التحولات التي يتعرض لها العالم في ظل العولمة، طرحت فيها قضية الهوية والثقافة وطغيان نمط معين لا ندري إن كان يناضل من أجل وجوده أم أنها تمحي الخصوصيات خاصة مع ظهور الهواتف النقالة، فاللغة في العولمة تقول الدكتورة عائشة لصلج أستاذة الإعلام والاتصال من جامعة سطيف لم تعد محددا هامشيا، بل استطاعت أن تحدد الهوية لاسيما وعالم اليوم يشهد تطورا في عالم الاتصال وفي الوسائط الرقمية، وهنا وجب التفريق بين العالمية والعولمة سواء من حيث الحفاظ على الخصوصية اللغوية في ظل التعدد اللغوي أو استخدام لغة ما خارج بنيتها الرقمية، يبقى السؤال الأهم حول الترجمة الرقمية للنصوص والتدقيق اللغوي باعتبارها أداة لخدمة اللغة العربية وإثرائها، فالذكاء الاصطناعي بإمكانه تحريك الكلمات كيفما يشاء وبالطريقة التي يريدها مثلما نقرأه في كلمة "حجري"، فالذكاء الاصطناعي يقرأها بطريقة معاكسة فهو يفهمها العهد الحجري أي العهد القديم وليس كلمة "حجر" المراد قولها أو ترجمتها.
لقد حان الوقت لتقريب وجهات النظر لتكون هناك خطوات عملية، في تطويع اللغة التقنية والأدوات الرقمية واستخدام اللغة الأمّ، وهو ما أشار إليه الدكتور أحمد خرصي باحث جزائري في مجال علوم الحاسوب، وعن طريق تقنية التحاضر عن بعد، فهو يرى أن اللغة العربية لم تجد من يخدمها بشكل جيد، ويشاطره الدكتور منير مهادي أستاذ النقد الأدبي وهذا بسبب عدم امتلاك الإرادة المعرفية والمؤسساتية وافتقادنا للعمل المؤسساتي، ويظل السؤال مطروحا إن كانت لنا الإرادة المعرفية والمؤسساتي لترقية اللغة العربية ونقلها من موقع التلقي إلى موقع الإنتاج، وإن كان الذكاء الاصطناعي ضرورة تقنية أم حضارية لابد من تفعيلها، وليس مجرد ترفا فكريا، فإذا لم نُفَعِّلُ اللغة العربية في مجال الذكاء الاصطناعي لن يكون لها مكانة في المستقبل.
***
تغطية علجية عيش






