قضايا
ابتهال عبد الوهاب: أرجوك لا تقرأ لي
لا تقرأ لي إن كنت تبحث عن مرآة لما ورثته لا لما تفكر فيه.. ولا تقترب من صفحتي إن كان اختلافك يرتدي هيئة سكين.. فبعض القراءات ليست فهما بل محاكمة وليست حوارا بل رجما مؤجلا.
ثمة لحظة يبلغها الإنسان يتعب فيها من شرح نفسه كما تشرح التهم. ومن تبرير أفكاره ومشاعره وطريقته في النظر إلى العالم. لأنه يدرك أخيرا أن الحياة ليست ملف دفاع وأن الوعي لا يحتاج إلى إذن وأن يعرف نفسه يكفيه وأن يكون صادقا مع ذاته هو أسمى أشكال الاكتفاء
الإنسان ليس ملزما بالدفاع عن حقه في التفكير فأن يعرف نفسه بصدق أعمق من كل الشهادات
لا يعنيني موقعك مني ولا كيف تراني ولا زاوية نظرك إلى.. فالصور التي يرسمها الآخرون لنا غالبا ما تكون انعكاسا لمخاوفهم لا لحقائقنا. ما يعنيني أن أكون حاضرة في ذاتي متصالحة مع عقلي بلا أقنعة ولا خوف من الاختلاف.
أختلف معك نعم وقد نتصادم فكريا أو عقائديا لكن الاختلاف لا يبرر أن تحفر الجروح في الروح ولا يمنح أحدا حق تحويل الفكرة إلى خنجر.
أنا لا أطلب منك أن تشبهني بل فقط ألا تلغيني
الاختلاف ليس شقا في الجدار بل نافذة؛ والآراء لا تتحول إلى عداوة إلا حين يخون الإنسان إنسانيته. لا مشكلة لدي أن نختلف فكريا أو عقائديا لكن المشكلة أن يتحول الرأي إلى حجر وأن يصبح الحوار ساحة إعدام للأسئلة.
أدرك أن أفكاري جريئة ومحرضه على التفكير ولا تشجع على الطاعة بل التساؤل ولا تمنح اليقين. هكذا أنا ولا أستطيع حتى لو أردت أن أعلق عقلي على مشجب العادات أو أستقيل من السؤال إرضاء للجماعة.
ربما كانت مأساة الإنسان الأولى أنه مختلف ومأساته الأعمق أنه يفكر. أن يحاول الفهم في عالم يقدس التلقين. وأن يسبح أحيانا ضد التيار لا حبا في العناد بل وفاء للصدق الداخلي.
لا أرى في اختلافي فضيلة ولا في وعيي سببا للتباهي لا أبحث عن تفوق ولا أحتاج إلى كراهية الآخر كي أثبت وجودي أنا فقط أحاول أن أكون أنا وأرفض أن أعيش نسخة باهتة من الآخرين. لا أشعر بالنقص إن رفضت افكاري ولا الاكتمال إن صفق لي. أصمت أحيانا لا ضعفا بل نجاة. وأتجاهل أحيانا لا هروبا بل رحمة بالنفس. وأتناسى ما مضى لأمنح الطريق فرصة أن يستمر.
أنا لا أنتمي لأحد أنتمي لأفكاري وشكوكي.. للموقف الذي يدافع عن حق كل الكائنات في الحياة. لكل ما يخفف عن روحي ثقل هذا العالم. انتمي لألمي أيضا لأن الألم معلم صادق لا يخون.
لذا إن كنت غيورا على يقينك خائفا على عاداتك متشبثا بدوغمائيتك كطوق نجاة فلا تقترب مني إن كان ثمن الاقتراب أن تضحي بعقلك أو تطلب مني أن أضحي بعقلي. لا تقترب مني إن كنت تخاف السؤال أو ترتعد من الشك أو ترى في التفكير خطيئة. لا تحاورني إن كان هدفك الانتصار لا الحقيقة فأنا لا أبحث عن هزيمتك ولا أفرح بانكسارك.
واعلم أيها المخالف لي حين أحاورك لست أبحث عن انتصار ذاتي ولا أحتفل بهزيمتك فالانتصارات في الحوار التي تترك أحدنا مكسورا هي هزائم متنكرة
غايتي أبسط وأصعب.. أن ننتصر للحقيقة.. أن نفرح معا بصحة الفكرة.. وأن نقتسم ثمرة الخير دون أن يقصى أحد ودون أن يصلب السؤال.. أن نخرج من الحوار أكثر إنسانية وتحضر. وفي النهاية لا أطلب منك أن تتبعني ولا أن تتفق معي ولا أن تتخلى عما تؤمن به. بل أطلب شيئا واحدا فقط أن تترك لي حقي في أن أكون أنا دون وصاية. ودون محاكمة. ودون خوف من الاختلاف.
إن كنت ترى في سؤالي تهديدا وفي شكي خطرا وفي عقلي استفزازا فتراجع ولا تقرأ لي أنا لا أقاتلك ولا أنافسك ولا أسعى لإسقاطك أنا فقط أدافع عن حق الإنسان في التفكير وعن كرامة العقل وعن حرية الروح من كل ما يحاول تدجينها.
أنا لا أطلب منك أن تعبر طريقي ولا أن ترى بعيني بل أن تعترف بأن للإنسان أكثر من نافذة على الوجود وأن الحقيقة لا تسكن صوتا واحدا ولا عقلا واحدا ولا زمنا واحدا فكل يقين يغلق أبوابه يتحول مع الوقت إلى سجن. فإن التقينا يا صديقي على الحقيقة فذلك مكسبنا معا وإن اختلفنا بوعي فذلك شرف الاختلاف. أما إن تحولت الفكرة إلى سلاح والعقل إلى عدو فاعلم أننا سنخسر.
***
ابتهال عبد الوهاب






