أقلام فكرية
غالب المسعودي: الخلل البنيوي في العقلية الفلسفية الشرق اوسطية

الفلسفة تعني دراسة الأسئلة الأساسية المتعلقة بالحقيقة، والوجود، والقيم، والمعرفة، تهدف إلى فهم العالم والإنسان والعلاقات بينهما. من ناحية اخرى تعني العلوم بدراسة الظواهر الطبيعية والاجتماعية وتطوير نظريات ومفاهيم قائمة على الأدلة والتجربة هناك تفاعل وتأثير متبادل بين الفلسفة والعلوم، فالفلسفة توفر الأسس النظرية والمنهجية للعلوم، بينما العلوم تقدم المعرفة الأمبريقية التطبيقية التي تساهم في تطور الفلسفة الخلل البنيوي في العقلية الفلسفية يشير إلى مجموعة من التحديات والمشكلات التي تواجه الفلاسفة في بناء أفكارهم ونظرياتهم. كثير من الفلاسفة يواجهون صعوبات في تجنب التناقضات في أفكارهم، هذه التناقضات قد تؤدي إلى ضعف الحجة أو عدم التماسك في النظريات اذ غالبًا ما تعتمد الفلسفات على افتراضات قد تكون غير مبررة أو غير مدروسة بشكل كافٍ، هذه الافتراضات يمكن أن تشكل أساسًا هشًا للنظريات ،الفلسفة تعتمد بشكل كبير على اللغة، لكن اللغة يمكن أن تكون غامضة أو متعددة المعاني، مما يؤدي إلى صعوبات في التعبير عن الأفكار بوضوح ،كما ان الفلسفات تتأثر بالثقافات والخلفيات الاجتماعية، ما يمكن أن يؤدي إلى انحيازات أو تفضيلات معينة تؤثر على الفكر الفلسفي . التطور في الحضارة والتكنولوجيا والاقتصاد عندما تكون هناك نظرية فلسفية خاطئة أو معتقدات غير صحيحة، يؤدي إلى تأثير سلبي على تطور المعرفة العلمية والابتكار التقني. على سبيل المثال، إذا كانت هناك فلسفة تعتقد أن العالم قائم على القدرة الإلهية وأن العلوم الطبيعية لا تكشف عن الحقيقة، يتم تقييد التطور العلمي والتكنولوجي، وبالتالي، يمكن أن يحدث تباطؤ في التقدم التكنولوجي والابتكار وتطور المجتمع ، الفلسفة تسهم أيضًا في توجيه القرارات الاقتصادية وتشكيل النظم الاقتصادية، إذا كانت هناك عقلية فلسفية متخلفة في المنطقة، يكون هناك تأثير سلبي على التطور الاقتصادي، مثل القيود على الحرية الاقتصادية وعدم تشجيع الاستثمار ،لذا يمكن القول إن وجود خلل بنيوي في العقلية الفلسفية يمكن أن ينعكس سلبًا على التطور في الحضارة والتكنولوجيا والاقتصاد،
أمثلة على الخلل البنيوي في العقلية الفلسفية
كان للأساطير والأفكار الخرافية تأثير كبير على الفلسفة والعلوم، على سبيل المثال، في العصور الوسطى، كانت العقلية الفلسفية تعتقد أن الأمراض تحدث بسبب الأرواح الشريرة أو الأسباب الخارقة للطبيعة، هذه العقلية أدت إلى تأخر في تطور فهمنا للأمراض وعلاجها، ومن ثم تأثير سلبي على التقدم الطبي والصحي، الفلسفة الدينية المتشددة تؤدي الى الالتصاق الشديد بمعتقدات دينية التي تشكل قيودا على التطور العلمي والتكنولوجي. تعتبر بعض السرديات الدينية المتشددة العلم والتكنولوجيا تهديدًا للقيم والمعتقدات الدينية، وبالتالي يتم رفضها أو تجاهلها مما يعوق التقدم التكنولوجي والعلمي في المجتمعات التي تتأثر بهذه العقلية، الفلسفة المحافظة والمحافظة تؤدي إلى المقاومة أو الرفض للتغيير والابتكار، على سبيل المثال، في بعض المجتمعات التقليدية، قد يتم رفض الأفكار والتقنيات الجديدة لأنها تعتبر انحرافًا عن التقاليد والقيم التقليدية مما يقيد التطور التكنولوجي والاقتصادي ويمنع استفادة المجتمع من التقدم، الفلسفة السلبية والقائمة على الشك، يمكن أن تؤدي إلى تقييد التطور والابتكار، عندما ينظر الأفراد إلى العالم بشكل سلبي ويشككون في إمكانية تحقيق التقدم فإنهم قد يتجنبون المخاطر ويمتنعون عن تجربة أفكار ومشاريع جديدة ،هذه الأمثلة توضح كيف يمكن أن يؤثر الخلل البنيوي في العقلية الفلسفية على التطور في مختلف المجالات.
الخلل البنيوي العام
من الصعب تحديد الخلل البنيوي العام في العقلية الفلسفية الشرق اوسطية، حيث تتنوع المدارس الفلسفية والتوجهات الفكرية في هذه المنطقة." (“الخلل البنيوي في العقلية الفلسفية الشرق اوسطية”)* ومع ذلك، يمكن التطرق إلى بعض التحديات ونقاط الضعف المحتملة في هذه العقلية:
القدرة على التطبيق العملي، تكون الفلسفة الشرقية اوسطية متمحورة بشكل كبير حول النظريات والتأملات الفلسفية، ويكون من الصعب تحويل هذه الافكار العميقة إلى تطبيقات عملية في الحياة اليومية.
الانغماس الديني، تكون العقلية الفلسفية الشرقية اوسطية مرتبطة بشكل وثيق بالدين والروحانية، ويكون هذا الانغماس الديني عائقًا أمام التفكير النقدي المستقل والتحليل العلمي.
الشمولية الثقافية، تكون الفلسفة الشرق اوسطية مرتبطة بثقافات محددة وسرديات تاريخية مؤدلجة، مما يؤدي إلى انحسارها في سياق ثقافي معين وعدم القدرة على التعامل مع التحديات العالمية بشكل شامل.
العولمة والهوية، تواجه الفلسفة الشرقية اوسطية تحديات في مواجهة العولمة وتأثيرها على الهوية الثقافية والفلسفية. يمكن أن تنشأ أسئلة حول الهوية الثقافية المشتركة والتفاعل بين الثقافات في ظل التحولات العالمية. هذه مجرد بعض القضايا الفلسفية الحالية التي يمكن أن تواجه العقلية الفلسفية الشرقية اوسطية.
مقارنة بين الفلسفة الشرق اوسطية والفلسفة الغربية
المصدر الأساسي للمعرفة:
في الفلسفة الغربية، تعتمد المعرفة على المنطق والتحليل والاستدلال العقلي. بينما في الفلسفة الشرقية اوسطية، تعتمد المعرفة على السرديات الدينية والتجربة الروحية والتأمل.
التركيز الفلسفي:
ترتكز الفلسفة الغربية على الفلسفة التأملية والأخلاق والاقتصاد، بينما تركز الفلسفة الشرقية اوسطية على الروحانية والتوازن والحكمة الروحية والتحقيق الذاتي.
النظرة للواقعية:
الفلسفة الغربية تميل إلى تأكيد وجود الواقع الخارجي المستقل عن الوعي الإنساني، بينما الفلسفة الشرقية الوسطى تعزز فكرة أن الواقع هو نتاج للوعي الذاتي والتفاعل بين الداخل والخارج.
(“الخلل البنيوي في العقلية الفلسفية الشرق اوسطية”)*
العلاقة بين الإنسان والطبيعة:
في الفلسفة الغربية، يتم تعامل الإنسان والطبيعة على أنهما كيانان منفصلان، بينما تؤمن الفلسفة الشرقية الوسطى بالتوازن والتناغم والتقديس بين الإنسان والطبيعة ككيان واحد.
الأخلاق والقيم:
الفلسفة الغربية تركز على الأخلاق الواجبة ومبادئ العدالة والحقوق، بينما الفلسفة الشرقية الوسطى تؤمن بالتوازن والتحقيق الروحي والتطهير الذاتي كأساس للأخلاق.
هذه مجرد بعض الاختلافات العامة بين الفلسفة الشرقية اوسطية والفلسفة الغربية. يجب ملاحظة أن هذه التصنيفات تعتبر عامة ويمكن أن يكون هناك تنوع وتداخل في الفلسفات داخل كل تقاليد، بعض الفلسفات الشرقية اوسطية تعتبر تطور التكنولوجيا والحضارة بشكل سلبي أو تنظر إليه على أنه يؤدي إلى انحراف عن القيم والمبادئ الروحية. ""ومع ذلك، يجب ملاحظة أن هذا الاعتراض ليس صحيحًا لجميع الفلسفات الشرقية اوسطية، وأن هناك تنوعًا واختلافًا بين هذه الفلسفات في مواقفها تجاه التقدم التكنولوجي والحضاري. " (“الخلل البنيوي في العقلية الفلسفية الشرق اوسطية”)* فبعض الفلسفات الشرقية اوسطية تروج لفهم متكامل يجمع بين الجوانب الروحية والمادية للحياة، وتؤمن بإمكانية استخدام التكنولوجيا والتقدم الحضاري لخدمة الإنسانية وتحقيق السعادة والتنمية الشاملة. علاوة على ذلك، يجب أن نفهم أن الفلسفة الشرقية اوسطية ليست كتلة موحدة وأن هناك تنوعًا في تياراتها ومدارسها الفكرية. وبالتالي، يمكن أن يكون لديها تفسيرات ومفاهيم مختلفة بشأن التكنولوجيا والتطور الحضاري. على مر التاريخ، يمكن أن تظهر بعض الدول في الشرق الأوسط بواجهتين، الجانب الثقافي والديني الذي يعكس الفلسفة الشرقية اوسطية، والجانب الاقتصادي والسياسي الذي ينطوي على التحديات التي تواجهها الدول في التطور التقني والحضاري، هناك عوامل عديدة تؤثر على التطور التقني والحضاري في المنطقة، مثل الاستقرار السياسي، التعليم، الابتكار، الاستثمار، والتكنولوجيا مع ذلك، تواجه الدول في الشرق الأوسط تحديات حضارية واقتصادية معاصرة، مثل توزيع الثروة، التعليم، البطالة، الفقر، الحروب والصراعات السياسية. هذه التحديات تؤثر على التطور التقني والحضاري في المنطقة.
الصراعات السياسية وأثرها
تعاني بعض الدول في الشرق الأوسط من صراعات ونزاعات سياسية واضطرابات أمنية، مما يعرقل التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي. تواجه العديد من الدول في المنطقة تحديات كبيرة في مجال الفقر والبطالة، ويكون النمو السكاني السريع الذي يؤدي الى سوء توزيع الثروة ونقص فرص العمل يعد من الأسباب الرئيسية لهذه المشكلة. كذلك يعاني نظام التعليم في هذه الدول من ضعف التمويل ونقص البنية التحتية وجودة التعليم، مما يؤثر على تطور المهارات والمعرفة اللازمة لتعزيز الابتكار والتقدم الاقتصادي. كما ان هناك نقص في التمويل والاستثمار في البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، مما يؤثر على القدرة على الابتكار وتطوير صناعات جديدة وتحسين البنية التحتية التقنية كذلك تعاني العديد من الدول في الشرق الأوسط من تدفق اللاجئين والمهاجرين، مما يضع ضغوطًا على الموارد والبنية التحتية والخدمات الاجتماعية. من خلال تنمية التفكير النقدي في هذه المجتمعات وتعزيز الوعي الفلسفي والعلمي يمكن تجاوز الخلل البنيوي في الفلسفة الشرق أوسطية وتوفير بيئة داعمة ومحفزة للتفكير العلمي والفلسفي كما ان تشجيع الحوار والنقاش والبحث العلمي في المجتمعات يؤدي الى تحقيق التقدم والتطور. الا ان معظم كيانات المنطقة تسوسها دول هجينة يسودها الفساد بكل اشكاله والتبعية المقيتة.
***
غالب المسعودي
..............................
* الاقتباسات من مقالة لي منشورة في موقع الحوار المتمدن
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=820658