أقلام فكرية
زهير الخويلدي: التغيرات المناخية والوعي البيئي في عصر الأنثروبوسين

مقاربة ايكولوجية
مقدمة: يُعرّف "الأنثروبوسين" (Anthropocene)، كما اقترحه بول كروتزن في عام 2000، عصرًا جيولوجيًا جديدًا يُسيطر فيه النشاط البشري على عمليات الأرض، مما يؤدي إلى تغييرات جذرية في المناخ، التنوع البيولوجي، والدورات الجيوكيميائية. هذا العصر، الذي بدأ ربما مع الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، يمثل تحولًا من الطبيعة كـ"خارج" للإنسان إلى "داخل" مترابط معه. في هذه الدراسة، نتبنى مقاربة إيكولوجية ، مستلهمة من نظرية النظم الإيكولوجية لألدو ليوبولد في كتابه الأخلاق البرية (1949)، حيث تُعتبر الأرض ككل مترابطة، والإنسان جزءًا منها لا سيد عليها. الهدف هو استكشاف كيفية تفاعل التغيرات المناخية مع الوعي البيئي في سياق الأنثروبوسين، مع التركيز على الديناميكيات غير الخطية: tكيف يُعيد الاحتباس الحراري تشكيل الهويات البشرية؟، وكيف يُولد الوعي البيئي مقاومات إيكولوجية ؟. سنعتمد على بيانات من تقارير صادرة عن منظمات سنوات 2014 و2022 و2023 ودراسات في علم الإيكولوجيا السياسية. فماهو عصر الأنثربوسين؟ ولماذا تأزم؟ وكيف نعالجه؟
التغيرات المناخية في الأنثروبوسين
– ديناميكيات الاضطراب الإيكولوجي
في الأنثروبوسين، أصبحت التغيرات المناخية ليست مجرد "مشكلة بيئية"، بل اضطرابًا نظاميًا يعكس الهيمنة البشرية غير المستدامة. وفقًا لتقرير صادر سنة 2023، ارتفع متوسط درجة حرارة الأرض بـ1.1 درجة مئوية منذ 1850، مما أدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بنحو 20 سم، وانقراض 1 مليون نوع حيواني ونباتي. هذه التغييرات ليست خطية؛ إنها "نقاط تحول" مثل ذوبان الجليد الدائم في القطب الشمالي، الذي يُطلق غاز الميثان المخزن، مما يعزز الاحتباس الحراري في حلقة تغذية راجعة.
من منظور إيكولوجي، يُفسر برونو لاتور في كتابه وجه الطبيعة (2018) هذه الاضطرابات كـ"عودة الطبيعة"، حيث تُجبر الأرض الإنسان على مواجهة تأثيره. على سبيل المثال، في المناطق الاستوائية مثل أفريقيا جنوب الصحراء، أد الجفاف المتكرر إلى نزوح 20 مليون شخص سنويًا (2022)، مما يكشف عن عدم المساواة: الدول النامية تتحمل 80% من التأثيرات رغم مساهمتها بنسبة 10% فقط في الانبعاثات. هذا يُبرز "الإيكولوجيا السياسية"، حيث تكون التغييرات المناخية تعبيرًا عن علاقات السلطة العالمية. فماهي اسهامات الايكولوجيا السياسية؟
الوعي البيئي – من الإدراك الفردي إلى التحول الجماعي
الوعي البيئي هو الاستجابة الثقافية والنفسية للأنثروبوسين، يتحول من "القلق البيئي"إلى "الإيكولوجيا العميقة" كما طورها أرني نايس في السبعينيات. في عصرنا، أظهر استطلاع غالوب (2023) أن 70% من الشباب في العالم يين يشعرون بالقلق من التغير المناخي، مما يدفع نحو حركات مثل "الجمعة من أجل المستقبل" التي أطلقتها غريتا ثونبرغ.
مقاربة إيكولوجية ترى الوعي كـ"شبكة" مترابطة: ليس فرديًا فقط، بل يشمل التفاعل مع الأنظمة الحية. على سبيل المثال، في المجتمعات الأصلية مثل شعب الإنويت في ألاسكا، يُبنى الوعي من خلال "المعرفة التقليدية" ، التي تُساعد في التنبؤ بالتغييرات المناخية بدقة أعلى من النماذج العلمية (2022). هذا الوعي يتحدى الرأسمالية الخضراء، حيث يُفضل الاستهلاك "الصديق للبيئة" على التحول الهيكلي، كما ينتقد روبي والش في كتابه الإيكولوجيا الرأسمالية (2014).
ومع ذلك، يواجه الوعي البيئي تحديات: أهمها "الإرهاق البيئي" الذي يؤدي إلى اللامبالاة، خاصة في الدول الغنية، مما يعيق التحول نحو نمط حياة مستدام.
مقاربة إيكولوجية متكاملة – نحو التوازن في الأنثروبوسين
لربط التغييرات المناخية بالوعي البيئي، نستخدم إطارًا إيكولوجيًا يعتمد على مفهوم "المرونة" لكارل هولينغ، الذي يرى النظم الإيكولوجية كقادرة على التعافي من الاضطرابات. في الأنثروبوسين، يتطلب ذلك دمج الوعي البيئي في السياسات: على سبيل المثال، برامج "التكيف المجتمعي" في فيتنام، حيث يُدمج الوعي البيئي مع الهندسة الزراعية لمواجهة ارتفاع مستوى البحر. هذا الإطار يشير إلى "أنثروبوسين إيجابي"، حيث يتحول الإنسان من "مدمر" للطبيعة إلى "مُصلح" للبيئة، من خلال ممارسات مثل الزراعة المتجددة التي تُقلل الانبعاثات بنسبة 20-30% (صادر عن منظمة الفاو في 2022).
خاتمة
في عصر الأنثروبوسين، تُكشف المقاربة الإيكولوجية عن التغيرات المناخية كمرآة لفشلنا في تحقيق التوازن مع الأرض، لكنها أيضًا دعوة لتوسيع الوعي البيئي نحو "أخلاق إيكولوجية" جماعية. الوعي ليس مجرد إدراك، بل فعل تحويلي يُعيد بناء العلاقات البشرية مع الطبيعة. مع ذلك، بدون تدخلات هيكلية، سيظل الأنثروبوسين عصرًا من الانهيار. يمكن الاكتفاء بتقديم جملة من التوصيات:
تطوير برامج تعليمية عالمية تركز على "الإيكولوجيا العاطفية" لمكافحة القلق البيئي.
دعم الشراكات بين العلماء والمجتمعات الأصلية لدمج المعارف في السياسات المناخية.
فرض ضرائب كربون عالمية لتمويل مشاريع المرونة الإيكولوجية.
بهذا، يمكن تحويل الأنثروبوسين من كارثة إلى فرصة لإعادة التوازن.
فهل ستنجح البشرية من خلال مؤسساتها الايكولوجية في تحقيق هذه التوازن واصلاح الأنثروبوسين؟
***
د. زهير الخويلدي - كاتب فلسفي
..............................
المصادر والمراجع:
Crutzen, P. J. (2002). "Geology of Mankind". Nature, 415(6867).
Leopold, A. (1949). A Sand County Almanac. Oxford University Press.
Latour, B. (2018). Down to Earth: Politics in the New Climatic Regime. Polity.
Naess, A. (1973). "The Shallow and the Deep, Long-Range Ecology Movement". Inquiry, 16(1-4).