أقلام فكرية
اسعد الامارة: ما نقوله.. هو ما نعتقد به.. هل هو حقًا؟!

محاولة لمعرقة شيء من اعماق النفس
هل حقًا ما نقوله هو ما نعبر عنه؟>> هل هناك علاقة بين الكلام الذي نقوله واللغة المنطوقة؟
لا اعتقد لأن اللغة تحمل أكثر من معنى مرئي ومسموع وبالآن نفسه إيماءات الوجه أيضًا تحمل دلالات لا يستطيع المتكلم اخفائها، ولا ننسى أيضًا التأويل بالتحدث، والتأويل باستلام الرسالة كمستمع، والتأويل بما اريد اسمعه، وهناك الكثير الذي لا يحصى.
حينما نتكلم نجمع الحروف لنتكلم بكلمة تشكل مجموعة الكلمات جملة كما نريدها، وأحيانًا نزيح الكلمات في بنية الجملة المجازية حيث يوجد انتقال، أو تحويل مشاعر، أو ربما حتى السلوك من موضع الكلمة المنطوقة من ذات الشخص، إلى شخص آخر ربما غير موجود، أو شيء آخر ليس هو الشخص الذي فعلهُ سابقًا، فاستدعاه المتكلم من عالم اللاشعور – اللاوعي في لحظة لاسيطرة فيها، وآخر غير ذلك، فبين خبايا اللغة تنطوي معاني لا تخرج بكلمات، وإن خرجت بلسان فهي تؤدي وظيفة واحدة هي إيصال رسالة لم تفسر بُعد وعمق المحكي – المنقول للمستمع، للمتلقي.
هي بعض من أعماق النفس وما يدور بين ثنايا الكلمة، أو الفكرة المبعثرة بفعل الكبت العميق، وقول " سيجموند فرويد " ان النشاط النفسي يخضع لحتمة سيكولوجية، فليس في العالم النفسي مجال للمصادفة الطارئة، ومن ثم فكل ما يصدر عن الإنسان من سلوك إنما هو محتم " حتمي " بما سبق أن خبره في أطوار حياته " محاضرات تمهيدية، ص 37" وأزاء ذلك فإن ما نقوله، أو ما نريد قوله أو فعله، أو حتى حينما نفكر به ولم يخرج من بين ثنايا اللسان، أو النفس هو تكوين فرضي، له دلالة التكوين من أعماق النفس، وإذا ما خرج بكلمة مفهومة، أو مدغمة بمعاني عدة فإنها تحمل دواخل الفرد وما رشح منه من عالم اللاشعور.. إذن هو سلوكنا، الكلمة المحكية – المنطوقة، الفكرة الهاربة المتشتتة، الكلمة المقلوبة بالحروف وأعطت معنى آخر، إلا أن حروفها نفسها ولكن تغيرت مكان تواجدها بالكلمة مثلا تنادي لشخص أسمه (صالح) وتناديه (صاحل) أو تنطق أسم شخص آخر ليس هو اسم الشخص الواقف أمامك، وهو صاحبك وتعرفه حق المعرفة ويمشي معك !! هي النفس في تداعياتها تبدأ ليس بالكلمة فقط، ولا بالحروف المنطوقة عن اسم الشخص الذي تعرفه وتتعايش معه، بل بأبعاد ما تم خزنه في عالم القارة الخفية، أعني اللاشعور – اللاوعي، ربما تنطق الزوجة بأسم شخص – امرأة أو رجل، فتنطق بأسم شخص آخر، أو الأم التي تنادي على بنتها وبدلا من أن تقول يا فلانه بأسمها تقول بأسم آخر؟؟ اسم بنتها لكنها تقول أسم أختها وتعيد ذلك الفعل عدة مرات في ايام معينه.
أتسائل وأقول هل هذا الحدث عفوي؟ لا معنى له أو دلالة؟
أبدًا.. ومستحيل، ما تعلمناه من التحليل النفسي بأن كل ما يصدر عن الإنسان من قلب الحروف، أو قول اسم شخص، أو تداخل في الكلمة له معنى وله دلالة، حتى وإن غاب عن التفسير لدى معظم الناس، إلا ان المشتغلين بالتحليل النفسي وممن استطاعوا أن يسبروا أحوال النفس لهم معرفة حقه في ذلك السلوك، من تكوينه الفرضي، إلى النطق به، إلى تشتت الكلمات.
نعترف وكاتب هذه السطور أيضًا يعترف بأننا نحن أسوياء ولكن كل منا بطريقته الخاصة، وإن حاول التقرب لهذا المثل الأعلى " اقصد هنا السوية " الذي نحاول الاقتراب منها كما عبر عنه " صلاح مخيمر"
هل الشعر والرمزية فيه تنقل الفكرة بسطحيتها، أو اللوحة الجميلة التي الوانها تغمر الناظر بعمق تشكلاتها المتقاطعة، هل قال الشاعر حقيقة ما دار في وجدانه من اعماق نفسه، هل أن الرسام التشكيلي في رمزيته للوحة هو ما قاله فعلا وكان يعتقد به حقًا؟
هي محاورة النفس في ما تحمل من عمق اللغة والمعاني والكلمات ولو كانت بفرشة فنان. هل هي اعترافات، أم توكيد لشيء لا يستطيع البوح به، وما أكثره في دواخلنا، نلف وندور به بكلمات مفهومة بالعلن، وأحيانًا برمزية عالية الدقة والعمق.. وخير ما نجده في ما يطرحه الاعلام والسياسة والساسة والتاجر، ومن يتدبر الأمر في ليل، يظهر شيء ما في العلن، ويخفي اشياء لا حصر لها، وعند رجال الدين الأمر أعمق بكثير مما نسمعه ونراه.
هي النفس في ما يصدر عنها من خطاب للآخر، أيًا كان، الاب لإبنه أو بنته أو لزوجته، أو الاخ لإخيه، أو المعلم في تدريسه، أو أي خطاب، وادعوا القارئ الكريم لقراءة الخطابات الأربعة للمحلل النفسي الفرنسي " جاك لاكان " الذي سبر أغوار النفس بهذا العمق بعد " سيجموند فرويد " وبأسلوبه المعمق والذي استهدف كشف اسرار الإنسان وما يجول بداخله، وهذه الخطابات الاربعة والثابت في الخطابات الأربعة هو المتكلم / المتحدث / المُخاطب وهذه الخطابات الأربعة هي : خطاب السيد، خطاب الجامعي، خطاب الهستيري، خطاب المحلل.
تعد الاغنية وأداءها وشعرها، النكتة وبناءها اللغوي وتأثيرها، وحركة الجسد عند راقص البالية، هل هي حقًا تمثل كل قدرته على الأداء، هل هي توكيد لما يعتمل في داخله أم رفض له، هل فلتات لسان عند البعض هي توكيد لشيء لا يمكن قوله؟ هي بعض من دينامية النفس في تبدلها وتغيرها نحو (!) أو نحو (!) ولكن لا تتوقف في الحالة الاولى ولا في الحالة الثانية، ولا ينتهي فالأول بالفشل، والثاني بالنجاح، لأننا نحن لسنا كما نعتقد نحن، فدواخلنا تمتلك أكثر مما نعرف، فكما هي تعبر عن الفعل ليس كما هو، بل في كل الأحوال لا يظهر أعلى شيء، وما يظهره الأن سيكون غدًا من الماضي وربما يشكل رفض له، أو استهجان لأن فكرته كانت ترمز لشيء عميق وخفي.
معظمنا يحمل في طيات نفسه ما لا نهاية له من المخزونات في اللاشعور – اللاوعي، حينما تداعب بعض الوقائع الخارجية تشتعل من الداخل فينا ونحن لا نعلم أنها اثارت فينا بعض المواجع. فما نقوله هل حقًا كل ما نعتقد به؟ أو ما نفعله هو فعلا ما هو بدواخلنا؟ هي أسئلة لا إجابات لها، وإذا عرفناها اعتقد أننا نخشى قولها، هي التي هربنا منها فذهبنا بوعينا، أو لاوعينا لقول نقيضها، بقلب المعنى، بقلب المنطوق، إدغام الكلمة، وإذا تحايل البعض منا فهرب، أو استطاع الهرب، فسيعود بشكل آخر غير متوقع في الحلم، واساس الحلم هو الإزاحة والتكثيف كما دونه " فرويد" أو عند المحلل النفسي " جاك لاكان " الكناية والاستعارة ".
***
د. اسعد الامارة