أقلام حرة

نهاد الحديثي: بين الطموح والرضا والقناعة

في قلب كلٍ منا صراعٌ متواصل بين طموح ما، وبين الرضا بما نحن عليه، هذا التدافع طبيعي، ودليل حياة نابضة ومتقدة، لنفس تنمو وتتطور، فكيف نوازن بين هاتين الرغبتين اللتين تبدوان في الظاهر متناقضتين، لكنهما في الحقيقة جناح طائر واحد؟ الرضا هو طمأنينة القلب بعد السعي، وهو إدراك أن ما لدينا اليوم هو نعمة تستحق الشكر، وقبول ما قُسم لنا، بينما الطموح هو الرغبة التي تدفعنا نحو الأفضل، نحو تجاوز المكتسبات وتحقيق الأحلام، وهي رغبة حميدة ضمن إطارها الطبيعي وحدود توقعاتنا، لكن حين يغيبُ التوازن بين الرغبتين، قد نغرق في بحرين متلاطمين: إما نفقد الشغف بسبب زيف "الرضا"، فيتحول شعور الرضا إلى كسَل مُقنع، أو جموحٌ غير محسوب تحت راية "الطموح"، يُنسينا السكون ونعمة الاكتفاء

غير أن السر يكمن في إدراك أن الرضا لا يعني التوقف عن الطموح والأمل، بل أن تستمر في سعيك وأنت ممتن، أن تستمر في آمال طموحك وأنت مدرك لقيمة ما لديك اليوم، أن ترضى عن يومك، ولا تكفّ عن جهود بناء غدٍك، وهذا الرضا المتوازن لا يُعطل الطموح، بل يمنحه أساساً ثابتاً يعتمد عليه, لأن السعادة في الحقيقة ليست فقط لذة تحقيق الإنجازات المتواصلة، بل بحصول طمأنينة وسكينة الرضا الناتج عن تحقيق أحلامك، ورضاك عن نفسك، وهو ما لا يتم إلا بتحديد أهداف واقعية،؛ فهناك من يبحث عن السلطة والنفوذ والمال، وهناك من يبحث عن المُثل والأخلاق والقيم، وهناك من يبحث عن سلام نفسي؛ هربا من واقعه الأليم بسفر أو انقطاع عن الحياة القديمة أيا كان شكل هذا الانقطاع،يحلم الكثيرون بمستقبل مختلف جدا عن الحاضر,,

من الحكمة أن نُدرك أن الحياة مراحل، ولكل مرحلة خصائصها وظروفها، ففي في مرحلة ما يكون السعي هو الأولوية، وفي أخرى يكون الحفاظ على ما أنجز هو الأولى، وبالطبع ليس عيباً أن تتغير بوصلة الطموح، ولا بأس أن نستريح حيناً لنستعيد توازننا ,, ليس علينا أن نختار بين الرضا والطموح على حساب أحدهما، بل الأفضل أن نصوغ من كليهما ما يناسب شخصيتنا وظروفنا، لتكون معادلة حياة متزنة، مليئة بالسعي النبيل والامتنان الهادئ، لنصبح أكثر صلابة خارجياً، وأعمق سلاماً داخلياً

يمكن أن تكون ميسور الحال دون أن تكون في حال جيدة. يمكن أن تكون في حال جيدة دون أن تتمكن من عيش الحياة التي تريدها. يمكن أن تنال الحياة التي تريدها دون أن تتحقق سعادتك. ويمكن أن تكون سعيداً دون أن تكون حريتك كبيرة. يمكن أن يكون نصيبك من الحرية كبيراً دون أن تحقق الكثير غير ذلك -- فالحياة عبارة عن مناورات ومساومات وجدل ,, من طبيعتنا أن نفكر كثيرا واحيانا نملك رؤية مشوشة عن المستقبل أو حتى إن كنا مركزين على المستقبل ونعاني من نفس الصفات كالخوف، والكسل، والمماطلة، خلق عادات جديدة هو الحصن الهام بعض الناس يقولون "أريد أن أتزوج، لكنني سأنتظر وأرى ما سيحدث" وهذه طريقة غير مركزة إلى حد ما للقيام بذلك، وفقا لماير، ويضيف "إذا كنت تقول بدلا من ذلك أود أن ألتقي بشخص جديد كل بضعة أسابيع، فهذه هي الخطة التي تزيد من احتمالية الحصول على شريك -- يقول بيتر غولويتزر، أستاذ علم النفس في جامعة نيويورك,,, وأنت تخطط لإعادة ابتكار ذاتك، كن واقعيا قدر الإمكان.

***

نهاد الحديثي

في المثقف اليوم