أقلام حرة
محمد علي شاحوذ: ضمائرنا الغائبة

لم أتحسس في حياتي الدراسية مثلما تحسست في درس الضمائر في قواعد اللغة العربية!! ولا زلت اتذكر المرة الاولى التي تناهى الى سمعي تفاصيل الموضوع من خلال الشرح الذي قدمه استاذ شهاب (رحمه الله) مُدّرس اللغة العربية في ثانوية الرميلة للبنين حيث كنا طلابا في الثانوية آنذاك ولكنني لم أفهم السر في انزعاجي وانقباض صدري الذي شعرت به مع استعراض استاذنا تصريفات الضمائر واحكامها عندها رحت اتساءل مع نفسي : لم كل هذه المشاعر السلبية التي اعترتني في هذا الدرس دون غيره؟ ولكي أجد جوابا لهذا السؤال المُلِح رِحتُ أتمعن في كل كلمة وردت في تعريفه الذي يقول: بأنه ضمير مستتر لا نستطيع لفظه، ولكننا نستطيع تقديره وفهمه من خلال سياق الكلام، وأن هناك من الضمائر ما هو واجب الاستتار ولكنني لم اجد تفسيرا مقنعا لسؤالي بل زادت حيرتي وفي النهاية تجاهلت الأمر خصوصا مع مغادرتي مقاعد الدراسة ودخولي عالم الحياة العملية.
مضت الايام مسرعة ولم يدر بخلدي ان درس الضمائر سيرافقني في مسير حياتي كالكابوس المستمر، وما لم أفهمه في أيام المدرسة فهمته في لعبة الحياة فاكتشفت اسرارا صادمة كان يخفيها درس الضمائر فعرفت من أي طين حقير مخلوق (هو) وأي نفس وضيعة (هي) وقد بدت لي كل سوآتهما وصار معلوما طبيعة العلاقة التي تربط(هما) وتساقطت الاقنعة عن وجوه (هم) القبيحة وانكشف كيد(هنّ) وبانت الاعيبهنّ القذرة.
وكما فعلتم في اللغة يا ضمائرنا الغائبة فقد فعلتم كل ما هو سيء وقبيح في هذا الزمن الردئ فقد رفعتم الواطين الاخساء وجعلتموهم في محل رفع، وأجرمتم بحقنا حينما خدعتمونا ووضعتمونا في موضع نصب!! بل انكم ذبحتمونا حينما وضعتم قبلنا من التافهين الصغار لنكون في محل جر!!.
فإلى متى تصرون على دس رؤوسكم في التراب يا ضمائرنا؟ والى متى سيدوم ظلمك يا (انت)؟ وكم مرة ستخذلوننا يا (أنتما)؟، وهل ستطعنوننا بظهورنا مجددا يا (أنتم)؟. والى متى ستكسرنا يا (هاء الغائب)؟
يا ضمائرنا الغائبة، يا من ضيعتم الامانة، وطمستم الحقائق، يا من حللتم سفك دماءنا، يامن كنتم السبب في اختلال الموازين وضياع الحقوق، هل من امل في ظهوركم على الملأ وكسر قيود الغياب والصدح بالحقيقة ؟.
رحمك الله يا استاذ شهاب اليوم ادركنا ما كنت تقصده في درس الضمائر، وفهمنا معنى كلامك عندما قلت: انكم ستجدون ان نصف الجُمّل في اللغة العربية تحتوي على ضمائر غائبة بينما في حياتكم العملية قد لا تجدون ضميرا حيا واحدا فأغلبها غائب ومفقود!!.
يا اصحاب الضمائر الغائبة: الا تعلمون ان هناك شعرة الهية هي من تضيئ القلوب والارواح اسمها الضمير الحي؟ ويا اصحاب الضمائر النائمة: الى متى ستبقون بلا محل من الاعراب؟.
***
د. محمد علي شاحوذ