أقلام حرة
صادق السامرائي: الشعراء أصدق مَن كتب التأريخ!!

الغرض التوثيقي للشعر يتواصل ولن ينتهي، أما الأغراض الأخرى بأنواعها، فأن شعراء الأمة إستنفدوها، ولا يمكن لللاحق أن يأتي بأحسن مما أبدعوه، ولهذا فالغرض التوثيقي هو الأبقى والأصلح للأمة، ولكي تدرس التأريخ عليك أن تطلع على شعراء المرحلة التي تتناولها، فعندما تدرس عصر المماليك عليك بالبوصيري، وعندما تدرس العراق في القرن العشرين، عليك بالزهاوي والرصافي والجواهري، وعندما تدرس تأريخ مصر منذ نهايات القرن التاسع عشر عليك بأحمد شوقي وحافظ إبراخيم، ولكي تقرأ تأريخ الدولة العباسية في سامراء لابد من قراءة أبي تمام والبحتري وإبن المعتز وعلي بن الجهم، فالشعراء أصدق كتّاب التأريخ وإن كذبوا!!
فمَن يستطيع أن يوثق بصدق وشفافية ودقة في الوصف والتقييم؟
المؤرخون لا يكتبون في وقت الحدث بل بعد حصوله بزمن طويل، ومعظم ما وردنا من مدونات مكتوب بعد مرور أكثر من قرن على الحدث، ومعظمه منقول وفقا لمنهاج (قال) و(ذكر عن)، وتتداخل تصوراتهم وآراؤهم ومواقفهم لترسم الصورة المكتوبة.
والشعراء يتأثرون بالأحداث ويمزجونها بعواطفهم ومشاعرهم وما تحثه من أفكار في مخيلاتهم، ويميلون إلى الوصف الدقيق والتعبير الأصدق عن الحدث بأدواتهم، التي ربما تحتاج إلى شيئ من التمحيص والتحليل والتشريح.
فعند قراءة ديوان البحتري يمكن رسم صورة أصدق عن مسيرة الخلفاء في سامراء، وكذلك دراسة ديوان أبي تمام فهو مختصر مكثف لمسيرة المعتصم فيها.
وعليه فأن الدراسات التأريخية المقطوعة عن عطاء الشعراء في أوانها منقوصة وتثير أسئلة وشكوك.
يخبّرنا عن الأحداث حرفُ
تسطره يراع فيها خوفُ
تدوّنه النُحات بعد وقتٍ
وترسمه الموارد والظروف
فما ذكر الرواة بها حقيقا
لأن سراتها برعت تدوف
***
د. صادق السامرائي