أقلام حرة

صادق السامرائي: المهتدي بنفسه!!

المهتدي بالله الخليفة العباسي الرابع عشر، تولى الخلافة لأقل من سنة (255 - 256) هجرية، وهو إبن الواثق تاسع الخلفاء العباسيين، وولد في زمن المعتصم ومن الأرجح بعد سنة (218) هجرية، في منطقة القاطول بسامراء.

وجيئ به من بغداد التي نفاه إليها إبن عمه المعتز بالله، وكان المعتز بالله تحت أشد أنواع التعذيب المتوحش من قبل القادة الأتراك، وجلس المهتدي أمامه وهو في أسوأ حال، وتنازل له عن الخلافة بعد إعترافه بعدم أهليته لها، وأول ما نطق به للجلادين العتاة : "لا يجتمع سيفان في غمد واحد"، وهو أمر غير مباشر لقتل إبن عمه المعتز بالله، وكان بوسعه أن ينقذه من طائلة الموت الشنيع، والتعذيب المرير ويحمي أمه وولده من قسوة المتسلطين عليهم.

قتلوا المعتز بالله، وأصبح خليفة، وصاروا يصفونه بالزاهد والخليفة الصالح الذي يريد أن يحي سيرة عمر بن عبد العزيز، وما كان يقوم به يخصه، أما تفاعلاته مع ما حوله وحاشيته، فكانت تنم عن جهل في السياسة، وتعبير عن سلوكيات إنتقامية وأحقاد دفينة، وكأنه كان يرى بأنه أحق بالخلافة من عمه المتوكل، لأن أباه الواثق لم يعين ولي عهد، وتم إختيار المتوكل من قبل القوى المتنفذة آنذاك.

من زاوية نفسية سلوكية، لم يكن مستوعبا لدوره وفاقدا لقدرات القيادة الرشيدة، ومتوهما بأن الصيام والزهد يعبران عن حسن السيرة، ورجاحة القرار وتدبير الأمور، والخلافة بحاجة إلى قوة وحزم وحلم، وعقل مستوعب لآليات التفاعل مع الأحداث والتطورات.

وعندما جاء موسى بن بغا لقتل صالح بن وصيف ثأرا لقتله المعتز بالله ومصادرة ممتلكات والدته، يبدو أن المهتدي كان متعاطفا مع صالح بن وصيف، وأراد الإنتقام من موسى بن بغا لأنه تمكن من قطع رأس صالح بن وصيف، الذي كان يشك بأن الخليفة يدرى بمكان إختبائه.

"ثم رحل موسى بن بغا ومعه بكيال إلى السن في طلب مساور، فكتب المهتدي إلى بكيال أن أقتل موسى....."

وبرهن الخليفة على تعاطفه مع صالح بن وصيف بهذه الرسالة ، التي يريد بها قتل موسى بن بغا وكان معه بكيال فاأطلعه عليها فعاد إليه وقرر خلعه ومن ثم قتله.

وفي هذا السلوك برهان على سذاجة سياسية، وأمية قيادية، فكانت نهايته بشعة وحكم لأقل من سنة، إذ عصرت خصيتاه حتى مات.

و"تلك الموازين والرحمان أنزلها...رب البرية بين الناس مقياسا"

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم