اخترنا لكم
رضوان السيد: لقاء الحضارات على الحوار والتفاهم

«لقاء الحضارات» هو عنوان كتاب مشتركٍ للكتاب الفرنسي إيمانويل تود وزميله اللبناني الأصل خليل كرباج، وقد صدر قبل خمسة عشر عاماً، وعنوانه الفرعي «تحولات المجتمعات المسلمة حول العالم». وقتها كانت وجهة نظر الكاتبين أن الضغوط الهائلة المستمرة على الشرق الأوسط بعد غزو العراق سوف تفجّره نهائياً، لأن المشكل الرئيس في فلسطين لم يجد حلاًّ، وقد أُضيف لذلك الآن العراق بعد غزوة عام 2003.
لقد اعتقد إيمانويل تود، الناقد الحادّ للسلوك السياسي والثقافي الأوروبي، أنّ الولايات المتحدة بهجوم 11 سبتمبر 2001 فقدت القدرةَ على ممارسة الانضباط، وما عاد مصطلح «القوة الناعمة» الذي أطلقه جوزف ناي عام 1990 (توفي قبل شهر) ينطبق عليها. ولذا صار الاعتماد على أوروبا في تبادلٍ تاريخي كبير. وكانت أوروبا قد عجزت عن مكافحة انطلاقات الوحشية النازية، فتدخلت الولايات المتحدة لإنقاذ الحضارة الإنسانية، والآن أتت اللحظة التي تكررت عبر التاريخ، حيث يكون على أوروبا أن تتخذ موقفاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
لماذا قال تود وزميله ذلك؟ لأنّ المجتمعات الإنسانية، والمسلمة منها على وجه الخصوص، شديدة الشوق والتطلع إلى عهودٍ للسلام والتعاون. هناك مسلمون عنيفون من الشبان، وهؤلاء يأباهم المسلمون أكثر من غيرهم، وهم يضرون مجتمعاتهم أكثر مما يضرون غيرهم، وهم قلةٌ متفلتة بين جماهير المسلمين في العالم والذين يزيدون على المليار. عندما نشر هنتنغتون كتابه «صِدام الحضارات» (1993) واعتبر فيه أنّ الإسلام يمتلك حدوداً دموية، ردَّ عليه مئاتٌ من المسلمين مستنكرين ومذهولين.
لا يريد المسلمون مخاصمةَ العالم ولا إخافتَه، ومفكّروهم يعتبرون العلاقات بين الحضارات لقاءات وفُرص تفاهم وتعايُش، وأنه ينبغي التوقف عن الضغط العسكري والفكري والثقافي، كي لا يحصل المزيد من الانفجارات التي تهدّد سلام العالم المهدَّد أصلاً.
ما أُعجب تود (الذي توفي قبل شهرين) بتطورات ما بعد عام 2010 في العالم العربي واعتبرها انفجارات لا تبشر بخير. لكنّ وجهة اهتمامه تركّزت حول مظاهر «الانهيار» الأوروبي. ما عجزت أوروبا عن كبح جماح الولايات المتحدة فقط، بل سارت في ركابها. إنما الأفظع أنه من الناحية الداخلية فإنّ أوروبا فقدت المناعة وتوشك أن تسيطر فيها تياراتٌ لا تريد السلام ولا العلاقات الحسنة مع العالم.
إنّ هذه النزعات الثأرية غير المبرَّرة تتصاعد ولن يوقفها التقدم التكنولوجي المتسارع، بل يشجّع عليها، والطريف أنّ هذا المدَّ الاتصالي والذكاء الاصطناعي يصاحبه جزرٌ لجهة صعود القيم الأخلاقية الإنسانية وتفاهمات العيش المشترك. وفي كتابه «انهيار الغرب»، قبل وفاته بسنتين، ذكّر إيمانويل تود بما سبق له ذكره في «لقاء الحضارات».
هناك صوتٌ جديدٌ فقط وهو صوت سلامٍ عالمي: صوت البابا فرنسِس الذي يقول لا سلام في العالم إلاّ بالسلام مع الإسلام. إنما المهمة الآن (2022، عام صدور الكتاب) إنقاذ الغرب الأميركي والأوروبي من نفسه، وقد ينفع فيه المسعى الصيني والآخر الهندي للنهوض والتغيير.
لكنّ تود ليس عظيم الأمل لهذه الناحية بسبب النزعة القومية القوية لدى الأمتين الكبيرتين: فأين هم دعاة لقاء الحضارات وسط هذا العالم الذي يغصّ بمشكلات الغذاء وفساد البيئة والاندفاع باتجاه الحروب غير الضرورية وغير المبررة؟!
***
د. رضوان السيد
عن جريدة الاتحاد الاماراتية، يوم: 24 مايو 2025 23:45