بقلم: لورين هيغينز
ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم
***
يلعب البروتين دوراً حاسماً في كل عملية حيوية في جسم الإنسان تقريباً؛ بدءاً من التمثيل الغذائي وتنظيم الهرمونات، وصولاً إلى الحفاظ على الكتلة العضلية وصحة الجلد. ومع ذلك، تشير الأبحاث إلى أن الكثير من الناس —لا سيما النساء وكبار السن— لا يستهلكون كميات كافية منه يومياً.
يقول الدكتور جلين جونز، طبيب الأمراض الداخلية في مجموعة "سنتارا" الطبية: " البروتينات هي مادة البناء والترميم في الجسم. عندما لا نحصل على الكفاية منها عبر الغذاء، يبدأ الجسم في تكسير العضلات لتوفير الأحماض الأمينية، وهي الوحدات البنائية التي يتكون منها البروتين. وحتى لو كنت تتناول سعرات حرارية كافية، فإن نقص البروتين يعني أن جسمك سيضطر للسحب من احتياطياته الخاصة عن طريق تكسير عضلاتك".
ويؤكد الخبراء أن نقص البروتين، حتى وإن كان طفيفاً، قد يظهر بطرق خفية تؤثر على كل شيء؛ من مستويات الطاقة إلى قوة الشعر والأظافر. إليك تسع علامات شائعة تدل على احتمال انخفاض نصيبك من البروتين:
1- شعور مستمر بالتعب
إذا كنت تحصل على قسط كافٍ من النوم ولكنك لا تزال تشعر بالخمول، فقد يكون نقص البروتين جزءاً من المشكلة. فالبروتين يوفر الأحماض الأمينية التي تساعد جسمك على إصلاح الخلايا وتنظيم استهلاك الطاقة. وبدونه، قد يجد نظامك الحيوي صعوبة في توليد طاقة مستقرة طوال اليوم، مما يتركك في حالة من ضبابية الذهن أو الإنهاك.
تقول "ليا تسوي"، أخصائية التغذية المسجلة في نيويورك: التعب المستمر أمر شائع، لأن الجسم لا يستطيع ترميم الخلايا بكفاءة أو تنظيم عملية التمثيل الغذائي للطاقة دون بروتين كافٍ . كما يساعد البروتين في استقرار سكر الدم، مما يمنع "خمول ما بعد الظهيرة" الذي يعاني منه الكثيرون بعد الوجبات الغنية بالكربوهيدرات.
وتضيف "تايلور فازيو"، مستشارة التغذية في نيويورك: "غالباً ما يكون الإرهاق وانخفاض الطاقة وفقدان الكتلة العضلية أو القوة هي الدلائل الأولى على عدم كفاية البروتين". ومع مرور الوقت، قد يتفاقم هذا النوع من الإجهاد البسيط، مما يجعل ممارسة الرياضة أصعب، والتعافي أبطأ، والتركيز أكثر مشقة.
2- فقدان العضلات (أو صعوبة بنائها)
تعتمد الأنسجة العضلية على البروتين للترميم والنمو. وبدون كمية كافية، قد تشعر بضعف عام، أو تفقد تناسق عضلاتك، أو تواجه صعوبة في بناء العضلات والحفاظ عليها رغم ممارسة الرياضة بانتظام.
تقول "آشلي كوف"، أخصائية التغذية ومديرة دورات التغذية في جامعة كاليفورنيا: «عندما ينخفض تناول البروتين بشكل كبير، يبدأ جسمك بتفكيك الأنسجة العضلية لحصاد الأحماض الأمينية اللازمة للعمليات الحيوية الأساسية. وهذا الفقدان في الكتلة العضلية له آثار سلبية متتابعة على الطاقة والتمثيل الغذائي».
وبما أن العضلات نشطة في عملية التمثيل الغذائي، فإن فقدانها قد يؤدي إلى بطء معدل الحرق وصعوبة التحكم في الوزن. ويضيف الدكتور جونز أن فقدان العضلات هو العلامة الأكثر شيوعاً لنقص البروتين التي يلاحظها لدى مرضاه؛ فإذا شعرت أن صعود السلالم أصبح أصعب، أو أن قوة قبضتك ضعفت، أو أن تمارينك تتركك في حالة ألم عضلي غير معتاد، فقد لا يكون السبب هو التقدم في السن، بل نقص البروتين.
3- الشعور المستمر بالجوع
يعد البروتين من أكثر العناصر الغذائية المسببة للشبع، حيث يحفز الهرمونات التي ترسل إشارات للدماغ بالامتلاء. وبدونه، حتى الوجبات التي تبدو مشبعة قد تشعرك بالجوع بعد ساعة واحدة فقط. تقول الدكتورة جابرييل ليون، طبيبة الأسرة ومؤلفة كتاب ( Forever Strong Playbook): " يمكن أن تحدث الرغبة الشديدة في الأكل أو اضطراب سكر الدم عندما يفشل البروتين القليل في موازنة الكربوهيدرات وتثبيت مستويات السكر». فعندما تكون الوجبات غنية بالكربوهيدرات وفقيرة بالبروتين، يرتفع سكر الدم ثم ينخفض بسرعة كبيرة، مما يولد شعوراً بالجوع ورغبة في تناول المزيد، خاصة الحلويات أو النشويات.
وتضيف "فازيو" أن الكثيرين يلاحظون ضعفاً في الشعور بالشبع، والحل البسيط يكمن في التأكد من احتواء كل وجبة على 15 إلى 30 جراماً من البروتين على الأقل، وهو ما تشير الأبحاث إلى أنه يحسن الامتلاء بشكل ملحوظ ويقلل من الإفراط في الأكل.
4- بهتان أو ضعف الشعر والجلد والأظافر
بما أن الشعر والجلد والأظافر تتكون بشكل أساسي من بروتينات مثل "الكيراتين" و"الكولاجين"، فإنها تقدم مؤشرات بصرية مبكرة على نقص البروتين في غذائك.
توضح "تسوي" قائلة: " تشمل العلامات المبكرة الأكثر شيوعاً ترقق الشعر وتكسر الأظافر". وبما أن هذه الأنسجة تتجدد باستمرار، فعندما يقل البروتين، يقوم جسمك بتحويل الأحماض الأمينية بعيداً عن هذه الوظائف الجمالية نحو الوظائف الأكثر أهمية، مثل الحفاظ على صحة الأعضاء والمناعة.
وتشير الدكتورة ليون إلى أنكِ قد تلاحظين أظافر تتقشر بسهولة، أو شعراً يبدو خفيفاً وباهتاً، أو جلداً فقد مرونته؛ وكلها علامات على أن مخزون البروتين في جسمك يخضع لعملية "تقنين".
5- كثرة التعرض للأمراض
لا يبني البروتين العضلات فحسب، بل يدعم الدفاعات المناعية أيضاً. فالأجسام المضادة التي تحارب الفيروسات والبكتيريا مصنوعة من البروتين، وكذلك العديد من الإنزيمات المشاركة في الشفاء والسيطرة على الالتهابات.
يقول الدكتور جونز: " عندما لا نحصل على كفاية من البروتين، يبدأ الجسم في تكسير العضلات لإنتاج أحماض أمينية تُستخدم لإبقاء الأنظمة الحيوية تعمل، مثل إصلاح الأعضاء والحفاظ على الصحة المناعية وئام الجروح". ومع مرور الوقت، قد يعني هذا إصابتك بالأمراض بشكل متكرر أو استغراق وقت أطول للتعافي من نزلات البرد.
6- تعاني من صعوبة في التركيز
إن ضبابية الدماغ، وضعف التركيز، وحتى التغيرات المزاجية قد تنجم عن نقص البروتين؛ وذلك لأن دماغك يعتمد على الأحماض الأمينية لصنع النواقل العصبية مثل "الدوبامين" و"السيروتونين"، وهي الرسل الكيميائية التي تنظم الحالة المزاجية، والتحفيز، واليقظة. تقول الدكتورة ليون: "الأحماض الأمينية المستمدة من البروتين ضرورية لصنع نواقل عصبية مثل الدوبامين والسيروتونين، وعند نقصها، قد ينخفض التركيز وتتأثر الحالة المزاجية". فقد تلاحظ أن تفكيرك أصبح أبطأ، وصبرك صار أقل، أو عزيمتك فترت وذلك عندما تهمل تناول البروتين.
وتضيف "تسوي" أنه عندما لا يتوفر البروتين بشكل كافٍ، لا يحصل الجسم على الأحماض الأمينية اللازمة لبناء وصيانة الأنسجة مثل العضلات والعظام والإنزيمات وخلايا الدم الحمراء. فإذا لم يتوفر بروتين كافٍ لإنتاج خلايا الدم الحمراء، سيتأثر وصول الطاقة إلى جميع أجزاء الجسم، مما يعني وصول أكسجين أقل إلى دماغك، وبالتالي زيادة الشعور بالخمول.
7- يستغرق تعافيك بعد التمارين الرياضية وقتاً أطول
إذا لاحظت أن آلام ما بعد التمرين تستمر لأيام، فقد يكون البروتين هو الحلقة المفقودة. فأثناء ممارسة الرياضة، تحدث تمزقات صغيرة في الألياف العضلية، ويوفر البروتين المواد الخام اللازمة لإصلاحها، مما يجعلك أقوى بمرور الوقت.
توضح ليون: "إذا لم يحصل الشخص على بروتين كافٍ، فلن يملك جسمه ما يكفي من الأحماض الأمينية لإصلاح الألياف العضلية بكفاءة. ستلاحظ أن التمارين أصبحت أصعب أو أن تقدمك قد توقف". وهذا قد يجعل التدريب محبطاً، خاصة إذا كنت تتناول طعاماً صحياً ولكنك لا تلبي احتياجات جسمك للتعافي.
وتضيف "فازيو": "كثيراً ما يصف الناس شعورهم بالضعف، أو التعافي ببطء، أو ملاحظة تغيرات طفيفة في تكوين الجسم حتى عندما يكون النوم ومستويات التوتر طبيعية". وتنصح كل من يمارس النشاط البدني بانتظام بتتبع نصيبه من البروتين بدقة تماثل دقة تتبعه لتمارينه الرياضية.
8- انتفاخ وتورم الأطراف (الوذمة)
فى حالات النقص الشديد للبروتين، يختل توازن السوائل في الجسم، مما يؤدي إلى انتفاخ أو تورم في الوجه، أو اليدين، أو الساقين.
يساعد البروتين في الحفاظ على التوازن الصحيح للضغط داخل الأوعية الدموية، لذا تقول فازيو: "عندما لا يكون البروتين كافياً، يقوم الجسم بتحويل الأحماض الأمينية نحو وظائف الأعضاء الحيوية على حساب الأنسجة العضلية وتوازن السوائل". هذا التورم، المعروف باسم "الوذمة" (Edema)، غالباً ما يكون أكثر وضوحاً في نهاية اليوم أو بعد الجلوس لفترات طويلة.
ويضيف الدكتور جونز: "تشمل العلامات الأخرى للنقص المستمر في البروتين تورم الساقين، وفقر الدم (الأنيميا)، وبطء التئام الجروح". وبينما تندر حالات الوذمة الشديدة الناتجة عن نقص البروتين في الدول المتقدمة، إلا أن احتباس السوائل الطفيف المصحوب بالتعب أو الضعف يمكن أن يكون علامة تحذير مبكرة.
9- تفقد الوزن لأسباب خاطئة
إذا كنت تلاحظ انخفاضاً في وزنك ولكنك تشعر بضعف أكبر، أو أن جسمك أصبح أقل تماسكاً، أو تعاني من إجهاد زائد، فقد يكون ذلك دليلاً على أنك تفقد كتلة عضلية بدلاً من الدهون. فعندما يندر البروتين، يقوم الجسم بتفكيك الأنسجة العضلية لتوفير الأحماض الأمينية للعمليات الحيوية، حتى لو أدى ذلك إلى إبطاء عملية التمثيل الغذائي (الحرق).
تقول "تسوي": " عندما تبدأ الكتلة العضلية في التناقص، يتأثر التمثيل الغذائي ويتباطأ، لأن العضلات تساعد في حرق المزيد من السعرات الحرارية في وقت الراحة". لهذا السبب، يجب أن يكون فقدان الوزن المفاجئ المقترن بهذه الأعراض بمثابة "ناقوس خطر".
ما هي كمية البروتين التي تحتاجها فعلياً؟
إذن، كم هي الكمية الكافية؟
- للبالغ العادي: يقول الدكتور جونز: يحتاج البالغ المتوسط إلى حوالي 1 جرام من البروتين لكل كيلوجرام من وزن الجسم يومياً. أما إذا كنت في مرحلة تعافٍ من مرض أو جراحة، فأنت بحاجة للمزيد، أي ما يقرب من 1.2 إلى 1.5 جرام لكل كيلوجرام .
- للصحة المثالية: توصي "فازيو" بمستوى أعلى قليلاً؛ حيث تشير الأبحاث الحالية إلى أن تناول 1.2 إلى 2.0 جرام لكل كيلوجرام يدعم بشكل أفضل الكتلة العضلية، والصحة التمثيلية، والشعور بالشبع. (بالنسبة لشخص يزن حوالي 68 كجم، يعادل ذلك تقريباً 80-135 جراماً يومياً، موزعة بالتساوي على الوجبات).
- نقطة البداية: تقترح الدكتورة ليون أن يبدأ البالغون بتناول 15-30 جراماً في كل وجبة أو وجبة خفيفة كل ثلاث ساعات تقريباً. قد يبدو ذلك في شكل بيضتين وزبادي يوناني في الإفطار، والدجاج أو التوفو في الغداء، والسلمون أو العدس في العشاء.
يتفق الخبراء على أن خطر "نقص الاستهلاك" أكبر بكثير من خطر الإفراط في تناول البروتين لدى معظم الأصحاء. تقول "كوف": "كثير من الناس يتناولون البروتين بما يكفي فقط لتجنب النقص الحاد، ولكن ليس بما يكفي لدعم الكتلة العضلية المثالية، أو المناعة، أو الوظائف التمثيلية. هذه "المنطقة الرمادية" من نقص البروتين غالباً ما تمر دون ملاحظة لأن علاماتها خفية وتدريجية".
الخلاصة: سواء كان ذلك عبر اللحوم الخالية من الدهون، البيض، البقوليات، التوفو، الأسماك، أو الألبان، فإن إعطاء الأولوية للبروتين في كل وجبة يمكن أن يعيد إليك طاقتك، ويشحذ تركيزك، ويقوي عضلاتك، ويساعدك على الشعور بالتحسن مجدداً. وتؤكد د. "كوف" قائلة: " أكبر مفهوم خاطئ هو أن البروتين مخصص فقط للرياضيين أو لاعبي كمال الأجسام. هذا ليس صحيحاً للأفراد الأصحاء؛ فالأبحاث تظهر باستمرار أن الأنظمة الغذائية عالية البروتين تحسن تكوين الجسم، وتساعد في السيطرة على سكر الدم، وتزيد من طول العمر بشكل عام".






































