نصوص أدبية

جاسم الخالدي: منارةُ الحدباءِ

هوتْ حدباءُ لكنْ في دماها

حكاياتٌ تُعيدُ لنا مداها

*

ترابُكِ لم يكنْ موتًا عقيمًا

ولكنْ بذرةٌ تحيي سناها

*

على أيدي رجالٍ من حديدٍ

تسامى العزمُ فانتصبتْ رؤاها

*

أعادوا للسماءِ سنامَ نورٍ

وكانَ الليلُ يُحسدُ في علاها

*

كأنَّ الريحَ تبكيها هبوبا

كأنَّ الشمسَ تلبسُها ضياها

*

لقد صارت لنا الحدباء رمزا

لعزمٍ لا يلينُ إذا غشاها

*

إذا مرَّتْ جيوشُ الغدرِ يومًا

تهدُّ الطودَ، زادتْ من ذراها

*

رأيناها كما الأمواجُ تُلقي

على شمِّ الحياةِ بنا شذاها

*

تقولُ: الموصلية حينَ نادتْ

على الأبناء ذودوا عن ثراها

*

دمائي في المآذنِ نبضُ قلبي

وشمسي لا يغيّبها جُناها

*

أنا التاريخُ في عينيكِ حيٌّ

وفي روحِ الكرامةِ لي بقاها

*

سأبقى ما بقيتم في ثباتٍ

لأروي المجدَ إنْ عزَّتْ خطاها.

*

دموع الأمِّ عندَ النحر سالت

تقولُ: إلى السماءِ علا سناها

*

أراها في صغاري حينَ قاموا

وشادوا المجدَ من عزمٍ بناها

*

وفي أيدي الكرامِ رأيتُ ضوءًا

يضيءُ الليلَ إنْ طالتْ خطاها

*

فلا خوفٌ على أرضٍ تنادتْ

جحافلُها لتَبني ما دهاها

*

وإنْ هدمتْ يدُ الطغيانِ طودًا

فهذي الأرضُ تنهضُ من أذاها

*

فيا حدباءُ، يا روحَ البرايا

ستبقينَ السماءَ على عُلاها

*

هنا بغدادُ تنظرُ في ثباتٍ

إلى اختٍ يعانقها لواها

*

وهذي الموصلُ العظمى تنادي

أما آنَ الأوانُ لِمنْ فداها؟"

*

بَنَتْكَ الروحُ من شرفٍ عريقٍ

وصاغَ المجدُ في عزمٍ رُباها

*

لأنكِ في ضميرِ الكونِ صرحٌ

يدوِّي في القلوبِ وفي مداها

*

فكمْ من طامسٍ قدْ رامَ وجهاً

فعادَ النورُ يزهو في ذراها

*

دماءُ الأرضِ نادتْ من قريبٍ

وقالتْ: لن يُكمَّ الظلمُ فاها

*

فهذي الموصلُ العظمى أبتْ أنْ

يُدَنِّسَ تربها طاغٍ أتاها

*

ستبقى شاهداً، عهداً جديداً

لأنَّ العزَّ يأبى من عداها

*

فيا حدباءُ، يا أرضاً تفدّى

ويا رمزَ الحضارةِ في رُباها

*

سيرفعُ شعبُكِ الصرحَ انتصاراً

ويرسمُ في السما عزاً وجاها

*

فلو عادَ الخرابُ هنا لحينٍ

تعودينَ الشموخَ إلى ذُراها

***

د. جاسم الخالدي

في نصوص اليوم