نصوص أدبية

لمى ابوالنجا: بقالة الحي

قصتان قصيرتان

عادات قديمة

اليوم الذي يسبق المدرسة.. مازلت للآن أستقبله بنفس الحفاوة من الضجر والإكتئاب والبكاء.. في صباح يوم الجمعة، أستلقي أمام التلفاز مسندة رأسي على وسادة خضراء مطرز في الطرف العلوي منها طاووس وعبارة " أحلام سعيدة"

أمد قدمي على الطاولة التي تحمل التلفاز، أحركه بأطراف أصابعي حتى يوشك  أن يقع وجدتي تردد " يابنت لاتطيحي التلفزيون" "يابنت التلفزيون خربان، ياويلك من خالك"

و كأنها تخاطب الجدار، فمازلت ألعب بالتلفزيون حتى إهتزت الصورة وتشوت..تصيح جدتي.. "يابنت..الله يكافيكي، تعالي يا فاطمة صلحي التلفزيون خربته هذه الآفة"

تأتي دادا فاطمة تحرك الأريل " لا أعلم إن كانت هذه التسمية صحيحة لكن هذا ما اعتد قوله "تضرب الجهاز عدة ضربات، تعتدل الصورة.. لم تكن فاطمة كهربائية ولا خبيرة في الأجهزة الالكترونية.. هي فقط تضرب التلفاز كما كنا جميعا نفعل.. لكنه لايستجيب إلا لها.. تنظر إلي بعدما أصلحت الجهاز وتقول: " ليش طفشانه؟"

وتعلم أنني لن أجيب تخرج إلى الشرفة وتحضر بطانيتي المفضلة وتلقيها علي، كنت اشعر بالراحة الان استطيع التبسم دون أن يهتز بريستيجي.. أدّعي النوم إلى ما بعد الظهيرة  ممدة في منتصف الصاله أعيق حركة جدتي ان ارادت دخول الحمام، أعرقل فاطمة ومكنستها ملقاة وكأنني حجر على الطريق..

**

بقالة الحي

أسمع جدتي تكلم صاحب البقالة وتطلب "خبز ابيض مفرود، جبنة بيضاء وحلاوة لمى".. أسعد لحظة في يومي كله فلم أتحمل إختناق اللحاف ولا الإزعاج وشتم المارّين إلا لأجل هذه الفقرة.. كان البائع يعرف كل طلباتي لأنني من النادر أن أغير روتين شيء راق لي إلا بعد الملل منه..

سئلتُ في مرة:" إذا ذهبت لبقالة حارتنا القديمة ماذا سوف تشتري؟"

فأجبت:

ان إلتقيت صاحب البقالة أسأله أن يبيعني شوكولاتة جالكسي السادة التي كنت أتلذذ بها بعد الإستحمام مع كوب القهوة الذي تخادعني به فاطمه وتضع القليل فقط من  النسكافيه وتطفح الباقي بالحليب..

أو أشتري منه شامبو بيرت بلس الكبير للأستحمام، أضعه فوق منشفتين بيضاء وأركض على الحمام أسابق خالي الذي يقدس الإستحمام أكثر من أي شيء آخر..

أفتح صنبور الماء وأقف بعيداً عنه لأضبط درجة الحرارة التي كانت واضحة من البخار المتصاعد من كل مكان.. وجدتي تطرق الباب بشدة، أجيبها : " أنا أستحم يا جدة"، ثم بعد عدة دقائق تعيد طرق الباب وأصرخ للمرة الثانية " أنا أستحم أستحمممم"

وكأنه يصعب إستنتاج الإجابه فمع خرير الماء ورائحة الشامبو والبخار المتصاعد من تحت الباب يستطيع الجار أن يعرف أني أستحم في هذه اللحظة..

يطرق الباب من جديد فأغضب وأغلق الصنبور وأقول بطريقة ناعمه وراقيه "ها"

ترد علي فاطمة: افتحي الباب بسرعه، تناولني كأس ماء بارد حتى لا أصاب بالدوار من شدة الحرارة.. لا أعلم لماذا كنت ومازلت أعذب نفسي بهذه الطريقة!!؟

أو أشتري بسكويت الشاي والجبنة البيضاء والجلو لجدتي لتجهز لي حلى طبقات الجلو والبسكويت والجبنه في زيارة الأسبوع القادم..

لو إلتقيت صاحب البقالة أسأله أن يبيعني تلك التفاصيل الصغيرة، الذكريات والمشاعر

لو إلتقيته لطلبته أن يبيعني الزمن.. أن يعطيني جدتي ومنزلها… وفاطمة

***

بقلم: لمى ابوالنجا

في نصوص اليوم