نصوص أدبية
جواد المدني: قبلَ أن تهربَ الشمسُ إلى مخدعِها

أُراقبُ عبر نافذةِ الخريف
سحائبَ
تسيرُ على عَجَلٍ.
*
غيمةٌ تَسَمَّرتْ في كَبدِ السّماء
تُلوِّحُ كأنّها تُودِّعُ الغيماتِ
المُغادِرةَ نحو الجنوب.
*
تَقتربُ كثيرًا لِتَلتحِمَ بغيماتها الصغيرةِ المُبعثَرةِ مثلَ نَديفِ القُطن،
تَسبَحُ في الفضاءِ لتلحَقَ بِجبالِ السُّحبِ المحمَّلةِ ببلّوراتِ الثلجِ وزخّاتِ المطر.
*
ها قد وصلتْ، والتحمتْ في المُقدِّمة،
تَحثُّهم على السّيرِ قبلَ أن يأتيَ المساء.
تُناشدُهم: أن يَحافظوا على حُمولتِهم، فما زال الطريقُ بعيدًا إلى "غزّة " .
*
هناك، على بُعدِ مليارٍ ونصفِ خيبة،
وجوهُ أطفالِهم بلونِ الزنابقِ الصفراءِ،
تَقشّرتْ شِفاهُهم من وَهجِ الشمسِ، وعذابِ الجوعِ، وظُلمِ ذوي القُربى،
وذلك أعظمُ نكبةٍ.
*
عَدوٌّ يفتكُ بأحلامِهم،
يُحرِقُ بالبارودِ دُمىً وخَرائطَ
رَسموها بالطّباشيرِ على حقائبِهم.
*
شظايا القنابلِ سكاكرُ تُسكِتُ الجوع،
تَنهمرُ من نوافذِ المدارس،
ومن خلفِ رُكامِ البيوت، وتحتَ كلِّ حجرٍ.
*
يا غَيمتي الماطِرة، اسقِي العِطاشى حُبًّا وبلسَمًا، كوني للجراحاتِ مُغتسَلاً،
ولأشلاءِ الضّحايا غطاءً من رَحمة.
*
انثُري رحيقًا على مَن يده على الزِّناد
يُقاتلُ المُعتدي، ويدُه الأخرى
يُمرِّرُها على رُؤوسِ اليتامى.
*
أمطِري بأعذَبَ من النَّدى
فوقَ ثَرى سيِّدِ الأرزِ،
مُعطَّرًا بأريجِ الآس،
وحَولَ شواخصِ الشهداءِ،
ومن حولِها شقائقُ النُّعمان.
*
وهناك، وليس بعيدًا عن لبنان،
استريحوا قليلًا على سَفحِ “دَماوَند”،
واغتسِلوا بنديفِ ثلجِه المُعتَّق.
*
وإذا حلّ المساءُ، وتغطّتِ المدنُ بالضباب،
فلتكن وجهتُكم “جُمران”،
فهُناك تَتنفّسونَ من عبقِ الجِنان،
لأنَّ فيها مَن لا يَعرِفُ لُغةَ الخوف،
عَصيٌّ على كُلِّ مَكيدَة أو عتاب
*
وبَعدها…
شُدّوا الرِّحالَ إلى “صَعدَة” العِزِّ والكَرامة،
لِتسقوا شُجيراتِ البنِّ والرُّمّان،
املأوا غدائِرَ جبالِها،
وفَوقَ كُهوفِها
الشامخةِ بالعِزِّ والكَرامة،
اسقوا بُساتينَ الرُّمّان.
*
وأخيرًا، يا غَيمتي الوحيدة، ترفّقي بهُدهُدِ “صَنعاء”،
فما زال حافيَ القَدمينِ يَجوبُ القِفار،
ويطيرُ بين الأكوانِ كلِّها،
يَقصُّ علينا أخبارًا عن زَوالِ عرشِ الشيطان.
*
اسقِهِ من عَذبِ مائك، فعِنده “الخبرُ اليقين”.
لقد كِدتُ أن أشتهي “المُقيلَ والقَاتَ”
لأَنفضَ الرَّمادَ عن صَدرِي المثقَلِ بالقلقِ والإحباط،
مِن “خَنجَرٍ” قد يُباغِتُ خاصرتي،
أو قادِمٍ من الصّحراءِ يُفجِّرُ بي “حِزامَه”.
*
وإن بقي من غَيثِك قَطراتٌ…
فلتكُن حُممًا أشدَّ من أبابيل
على رُؤوسِ الحالمين
بوطنٍ من النيلِ إلى الفرات
***
جواد المدني