ترجمات أدبية
سينثيا رايلانت: الخنزير البري

بقلم: سينثيا رايلانت
ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم
***
كان الجميع في جلين مورجان يعلمون أن هناك خنزيرًا بريًا في الغابة المجاورة لمزرعة ميلر. كان الخنزير خارج السياج الحديدي المتناثر وخلف سيارة دودج السوداء القديمة التي انتهى بها المطاف بطريقة ما في الغابة حيث فقدت معظم أجزائها وأصبحت مجرد هيكل مهدم.
كانت جيني تعلق ذقنها فوق السياج العلوي، وتدير شفرة طويلة من العشب الأخضر بين أسنانها وتهمس، "خنزير بري هناك". وكانت هناك أوقات كانت متأكدة من أنها سمعته. كانت تتخيله يركض بثقل بين الأشجار، متجاهلًا الأشواك الحادة والأشجار المتشابكة التي كانت تخدش ظهره، فيقفز مبتعدًا وهو يرتعش.
ظنّت أنه ربما يكون له قرن ذهبي يتوج رأسه المخيف. كان الخنزير البري يندفع عميقًا في أعماق الغابة، ثم يقفز على حوافره الخلفية، ويرفع رأسه نحو السماء ويطلق نغمة طويلة، واضحة، وثابتة في الهواء. كانت النغمة تنساب عبر الليل كأنها سهم يخترق قلب القمر. لم يكن الخنزير يهاب القمر، كما كانت جيني تدرك، بينما كانت مستلقية في سريرها، تصغي لصوت الليل.
في أحد أيام الصيف الحارة، ذهبت للبحث عن الخنزير. لم يسبق لأحد في جلين مورجان أن تجاوز سيارة دودج السوداء القديمة وما بعدها، على حد علمها. لكن الخنزير كان هناك في مكان ما، بين تلك الأشجار الرهيبة، وكانت عيناه الخضراوتان الداكنتان تنتظران شخصًا ما.
شعرت جيني أنها هذا الشخص.
كانت جيني تتحرك ببطء فوق أوراق الشجر البنية الرطبة، وشعرت بأذنيها ترفرفان وتنتفضان بينما تستمع لأنفاس ثقيلة قادمة من بين الأشجار. توقفت لالتقاط ورقة من شجر الشاي لمضغها، وقفت دقيقة، ثم استأنفت مسيرتها.
في أعماق الغابة، أبقت عينيها مرفوعتين نحو السماء. كانت بحاجة إلى تذكير نفسها بوجود عالم آخر فوقها، عالم يفصلها عن الأشجار—عالم من الفضاء والهواء، هواء لا يلتصق بها ولا يغمر جسدها كما يفعل هواء الغابة الذي يضغط في كل زاوية من روحها.
أخيرًا، استندت إلى شجرة لتستريح، وعندما فعلت، سمعت صوته لأول مرة. نسيت أن تتنفس، وهي واقفة هناك، تستمع إلى وقع الحوافر، فتكتل الحلق في حشرجة، ثم سعلت. سعلت!
وكان الآن الصوت المدويّ مرعبًا، عالياً لدرجة أنه أفقدها القدرة على التمييز. مرعب. وقفت هناك، جسدها جامد، وعيناها غارقتين في الدموع، وعرفت أنها تستطيع أن تدعو، لكن لسبب ما، لم تفعل.
اندفع عبر الأشجار بسرعة مذهلة، حتى أنها لم تجد الوقت الكافي لتصرخ أو تهرب. وكان هناك أمامها في لحظة.
اهتز جسده الكبير الداكن اللون وهو يقف منتظرًا خلف ظل الشجرة التي كانت جيني تعتمد عليها. كانت فتحات أنفه تلمع، وعيناه تراقبانها، لكنه، بطريقة مذهلة، ظل صامتًا. اهتز وتلألأ، ولكنه بقي هادئًا تمامًا، في صمت عميق.
تماهت جيني مع صمته، وجسدها جامد كالحجر، ولكن عيناها كانت تشع بالحياة. جالت ببصرها على ظهره المشوه، المغطى بالأشواك، ثم توقفت عند ساقيه الخلفيتين العريضتين. انهمرت دموعها بغزارة على وجهها، بينما كانت تحدق في أذني الخنزير الممزقتين، الملطختين بالدماء. تساقطت دموعها على الأوراق، وكان الصوت الوحيد الذي يملأ المكان هو أنفاسه الثقيلة والبطيئة.
ثم حرك الخنزير أنفه فجأة، لكن جيني بقيت ثابتة دون أن تتحرك.
من بين الأشجار، صاح عصفور الزرزور عالياً، وفجأة، انتهى كل شيء. وقفت جيني كالتمثال، بينما دَار الخنزير برأسه في خوف شديد، ثم انطلق فجأة متفادياً إياها، مسرعاً في رعب.
مُرَّ بجانبها...
ومنذ ذلك الصيف، لا تزال جيني تضع ذقنها على السور الخشبي القديم، ولا تزال تهمس، "الخنزير هناك". لكن عندما تميل على السور، وتنظر إلى الأشجار، تكون عيناها مليئتين بالدموع، وتترك بقعًا مبللة على الخشب المتشقق. هي آسفة لأذني الخنزير الممزقتين وآسفة لأنه ليس له قرن ذهبي.
لكنها بعد كل ذلك تشعر بالأسف لأنه يعيش في خوف من الطيور الزرقاء والفتيات الصغيرات، في حين أن الجميع في جلين مورجان يعيشون في خوف منه.
(تمت)
***
...................
الكاتبة: سينثيا رايلانت/ Cynthia Rylandt (ولدت في 6 يونيو 1954) هي كاتبة وأمينة مكتبة أمريكية. كتبت أكثر من 100 كتاب للأطفال، بما في ذلك أعمال خيالية (كتب مصورة، قصص قصيرة وروايات)، غير خيالية، وشعر. فاز عدد من كتبها بجوائز، بما في ذلك روايتها مايف المفقودة التي فازت بميدالية نيوبييري لعام 1993، وغبار أبيض نقي التي كانت من بين الكتب الفائزة بشرف نيوبييري في عام 1987.
وُلدت سينثيا رايلانت في مدينة هوبويل بولاية فيرجينيا في يونيو 1954. انفصل والداها عندما كانت في سن صغيرة، ولذلك نشأت سينثيا تحت رعاية والدتها وأجدادها. كانت علاقتها بوالدها ضعيفة جدًا، وتوفي وهو في سن الثالثة عشرة. في سيرتها الذاتية "لكنني سأعود مرة أخرى"، تصف سينثيا فقدان والدها كأحد الأسباب التي ألهمتها لبدء الكتابة.
تكتب سينثيا عن طفولتها والتجارب التي خاضتها أثناء نشأتها في جبال ولاية فرجينيا الغربية وأوهايو. كثيرًا ما تتضمن كتبها شخصيات وأحداث مستوحاة من أشخاص وتجارب حقيقية في حياتها. بدأت سينثيا الكتابة لأول مرة أثناء دراستها في الكلية عندما التحقت بدورة في اللغة الإنجليزية. كانت قد قرأت الكتب المصورة وروايات الرومانسية قبل دخولها الكلية، لكنها لم تكن قد فكرت في الكتابة من قبل. في ذلك الوقت، كانت تعمل في قسم الأطفال بالمكتبة العامة. لم تكن المناطق التي نشأت فيها تحتوي على مكتبات عامة أو متاجر لبيع الكتب، لذلك كانت هذه تجربة جديدة بالنسبة لها. تأثرت سينثيا بالكاتب جيمس آجي، وقررت كتابة أول كتاب لها، "عندما كنت صغيرة في الجبال"، الذي يعكس حياتها كطفلة نشأت في فرجينيا الغربية. كما أن سينثيا تحب القطط والكلاب، ولذلك غالبًا ما تكتب عن حيواناتها الأليفة في كتبها. كما تستمتع بأن يشارك شخصيات كتبها في الأنشطة التي تحبها شخصيًا.
درست سينثيا رايلانت في كلية موريس هارفي وتخرجت عام 1975. وبعد حصولها على أول شهادة لها، عادت إلى الدراسة للحصول على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة مارشال ودرجة الماجستير في علوم المكتبات من جامعة كنت.