نصوص أدبية
سليمان بن تملّيست: كِبْرِيَاءُ النُّورِ
أَنَا لَا أَرْفَعُ رَأْسِي تَكَبُّرًا،
بَلْ لِأَنَّ فِي دَاخِلِي سَمَاءً
تَأْبَى الاِنْحِنَاءَ.
كِبْرِيَائِي لَيْسَ جِدَارًا،
بَلْ أُفُقٌ أُطِلُّ مِنْهُ عَلَى نَفْسِي،
وَأَرَى فِي الصَّمْتِ أَوْسَعَ مِنْ كُلِّ ضَجِيجٍ.
أَنَا لَسْتُ أَعْلَى مِنْ أَحَدٍ،
لَكِنِّي لَا أَقْبَلُ أَنْ أُخْتَصَرَ فِي ظِلٍّ.
كِبْرِيَائِي…
صَلَاةٌ سِرِّيَّةٌ فِي مِحْرَابِ الْعِزَّةِ،
هَمْسُ رُوحٍ تَعْرِفُ قَدْرَهَا،
وَتَبْكِي حِينَ تُـمَسُّ الْكَرَامَةُ.
لَا أَحْتَاجُ تَصْفِيقَ أَحَدٍ،
وَلَا اعْتِرَافَ السُّطُوحِ.
يَكْفِينِي أَنْ يَظَلَّ وَجْهِي فِي مِرْآةِ نَفْسِي نَقِيًّا كَقَطْرَةِ مَطَرٍ لَمْ تَمَسَّهَا يَدُ الْأَرْضِ.
الْكِبْرِيَاءُ لَيْسَ أَنْ أَقُولَ "أَنَا"،
بَلْ أَنْ أَكُونَهَا كَامِلَةً
حِينَ يَغِيبُ كُلُّ أَحَدٍ.
أَسْمَعُ فِي دَاخِلِي نِدَاءً قَدِيمًا :
«اِنْهَضْ، لَا تُطْفِئِ النُّورَ كَيْ يَرْضَوْا عَنْكَ،
فَمَنْ اِنْحَنَى ضَاعَ ظِلُّهُ.»
أَمْشِي بِخُطَى الصِّدْقِ،
أَتْرُكُ وَرَائِي ضَجِيجَ الزِّحَامِ،
وَأَمْضِي،
وَفِي قَلْبِي نَارٌ تَعْرِفُ مَتَى تَشْتَعِلُ
وَمَتَى تَصْمُتُ كَجَمْرَةٍ نَبِيلَةٍ.
أَنَا لَسْتُ حَجَرًا،
لَكِنِّي لَا أَلِينُ لِمَنْ يُرِيدُ كَسْرِي.
كِبْرِيَائِي سَكِينَةٌ تَتَوَضَّأُ بِالْجُرْحِ،
وَتَكْبُرُ كُلَّمَا صَبَرْتُ.
هُوَ الضَّوْءُ الَّذِي لَا يَرَاهُ الْعَابِرُونَ،
لَكِنَّهُ يَهْدِينِي الطَّرِيقَ
حِينَ أَكُونُ وَحْدِي.
كُلُّ صَمْتِي شُمُوخٌ،
وَكُلُّ نَظْرَتِي وَعْدٌ،
وَكُلُّ كَلِمَةٍ لَا أَقُولُهَا،
سُورٌ يَحْمِي زَهْرَةَ نَفْسِي مِنَ الرِّيحِ.
الْعِزَّةُ لَيْسَتْ صُرَاخًا،
بَلْ أَنْ تَمْضِيَ فِي صَمْتِكَ وَاثِقًا،
وَفِي وَجْهِ الْخُذْلَانِ… مُبْتَسِمًا.
كِبْرِيَائِي :
أَنْ أَرَى نَفْسِي فِي الْعَاصِفَةِ،
وَلَا أَرَى الْعَاصِفَةَ فِي نَفْسِي.
أَنْ أَقِفَ،
حِينَ يَسْقُطُ الْجَمِيعُ.
أَنْ أَظَلَّ نَقِيًّا،
حِينَ تَتَّسِخُ الْوُجُوهُ بِالتَّصَنُّعِ.
أَنَا لَمْ أَتَعَالَ،
لَكِنِّي تَعَلَّمْتُ أَنَّ مَنْ يَهْبِطُ إِلَى الطِّينِ،
يَفْقِدُ وَجْهَ السَّمَاءِ.
كِبْرِيَائِي لَيْسَ عُلُوًّا،
إِنَّهُ جُذُورٌ فِي الْعُمْقِ،
تَسْقِيهَا التَّجَارِبُ،
وَتَحْرُسُهَا الدُّمُوعُ.
مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ،
اِسْتَغْنَى عَنْ كُلِّ مِرْآةٍ.
وَهَا أَنَا…
أَمْشِي بِنُورٍ لَا يُطْفِئُهُ مَدْحٌ،
وَلَا يَزِيدُهُ ذَمٌّ،
نُورٌ خَرَجَ مِنْ جُرْحٍ،
وَصَارَ جَنَاحًا.
أَنَا لَا أُقَايِضُ صَمْتِي بِثَمَنٍ،
وَلَا أَبِيعُ وَجْهِي فِي سُوقِ الْوُجُوهِ.
كِبْرِيَائِي هُوَ هَذَا التَّوَازُنُ الدَّقِيقُ
بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ،
بَيْنَ الضَّعْفِ النَّبِيلِ،
وَالْقُوَّةِ الرَّحِيمَةِ.
مَنْ يَظُنُّ الْكِبْرِيَاءَ قَسْوَةً،
لَمْ يَذُقْ طَعْمَ الاِنْكِسَارِ بِكَرَامَةٍ.
أَنَا لَا أَنْحَنِي،
لِأَنَّنِي حِينَ أَنْحَنِي
أَفْقِدُ مَلَامِحَ نَفْسِي.
وَمَا أَجْمَلَ أَنْ تَبْقَى وَاقِفًا،
حَتَّى لَوْ كُنْتَ وَحِيدًا،
فَالْوَحْدَةُ مَعَ الْعِزَّةِ
أَرْحَمُ مِنَ الْجُمُوعِ مَعَ الذُّلِّ.
***
بقلم: سليمان بن تملّيست - تونس
جربة في 2025/10/27






