نصوص أدبية

باقر الموسوي: أيقَنْتُ أَنَّنِي شَاعِرٌ مَصْلُوب

أيقَنْتُ أَنَّنِي شَاعِرٌ مَصْلُوبٌ،

وَعَاشِقٌ بَصَرِيٌّ كَأُفُقِ الشُّهُبِ،

فِي زَمَنٍ هَمَجِيٍّ

تَكْثُرُ فِيهِ الْوَيْلَاتُ وَالْعِلَلُ.

*

مَنْ يُغَنِّي لِلنَّوَارِسِ الْبَيْضَاءِ،

تُحَلِّقُ عَلَى شَطْآنِ الْعَرَبِ؟

رُغْمَ أَنَّ الْكَثِيرِينَ لَمْ يَفْهَمُوا

لُغَةَ الرِّيَاحِ، وَصَرَخَاتِ الظِّلَالِ،

وَصَوْتَ الْغَمَامِ عَلَى حَجَارَةِ الزَّمَانِ.

*

أَنَا الْغَرِيدُ بِحُرُوفِ

الْخَوْفِ وَالْحُبِّ،

الْمُتَكَسِّرُ عَلَى يَدِ الْقَدَرِ،

وَالْمُلْتَاعُ فِي صَمْتِ اللَّيَالِي وَالظُّلاَمِ،

أَحْمِلُ رِيحَ الْوَجَعِ فِي نَفَسِي.

*

أُغَنِّي لِوَطَنِي الْغَرِيبِ،

وَلِقَصَصِ الْهَوَى،

وَلِنِسَاءِ بَارِزَاتِ الزُّنُودِ،

يَتَسَكَّعْنَ فِي طُرُقَاتِ الرَّشِيدِ،

وَأُرَدِّدُ خَمْرِيَّاتِ أَبِي نُوَاسٍ

لِصَبِيَّاتٍ كَأَشْكَالِ الْوُرُودِ وَالضَّوْءِ،

وَأَرْسُمُ عَلَى وَرَقِ الْهَوَى طُرُقًا لِلْخَلَاءِ.

*

أَيُّهَا الشَّاعِرُ الَّذِي يَقْطُنُ كِيَانِي،

أَنْشِدْ أَغَانِيكَ الْمُتَنَاثِرَةَ

رَغْمَ الْقَلَقِ وَالْهَوَاجِسِ،

أَنْشِدْهَا مِنْ مَآسِي الْفُقَرَاءِ،

وَاتْرُكْهَا تَنَامُ رَغَدًا

فِي مَآذِنِ النَّاسِ وَظِلَالِ الْمَسَاءِ.

*

فَإِنْ سَأَلُوا: مَا الَّذِي أَبْقَاكَ حَيًّا؟

قُلْتُ: أَنَا الشِّعْرُ... وَفِي الشِّعْرِ نَجَاتِي،

أَنَا الْمَصْلُوبُ عَلَى نَبْرَةِ الْحَقِّ،

وَلَنْ أَنْحَنِي،

وَلَوْ تَفَتَّتَتْ أَحْرُفِي عَلَى صَخْرِ الزَّمَانِ،

وَلَوْ غَطَّتِ الظُّلُمَاتُ أَفُقِي،

سَأَسْطَرُ أَسْمَاءَ الْمَسَاكِينِ وَالْوُرُودِ عَلَى الْحُطَامِ.

*

سَأَغْنِي — مَا دَامَ فِيَّ نَفَسٌ —

لِلْحُبِّ، لِلْفُقَرَاءِ، لِلْقَمَرِ،

وَأَكْتُبُ وَصِيَّتِي عَلَى وَرَقِ الْعُمْرِ:

لَا تَكْتُمُوا صَوْتَ الشُّعَرَاءِ،

فَهُمْ أَخِرُ الشُّهَدَاءِ،

يَنْتَصِرُونَ بِكَلِمَاتٍ،

فِي زَمَنٍ أَعْمَى، وَعَالَمٍ مُتَفَتِّتٍ،

حَتَّى يَعُودَ الضَّوْءُ لِلْوُجُوهِ الْمُضَاءِ.

***

باقر طه الموسوي / العراق

 

في نصوص اليوم