نصوص أدبية
سعد غلام: تَأَمُّلُ الظِّلِّ الَّذي أَنْتَمي إِليْهِ
أ- [نَوافِلُ التَّأَمُّل]
لا أَطْلُبُ جَنَّتَها،
لا أَرْجُو نُورًا يَهْزُّ خَفَايا رُوحي،
فَقطِ اسْمَعْ هَمْسي لَمَّا
تُغْمِضُ عَيْنايَ أَبْوابَ اللَّيْلِ
*
كُلُّ حُرُوفي وُلِدتْ
بِاسْمِكَ، لوْ ظَهرتْ
خَلْفَ وُجوهِ النِّسْوانِ؛
فَالحُبُّ لَديْنا دَرْبٌ
يَعْبُرُنا نَحْوَ اللهِ
مِنْ جُرْحٍ يَتفتَّحُ صَلْدًا
*
أَمْشي في ظِلِّكَ حينًا،
يَأْكُلُ مِنْ طُولي خَوْفي
كُلَّما اقْتربَ الضَّوْءُ أَلَنْتُ،
فَأَعي أَنَّ الضَّوْءَ يُجَدِّدُني،
وأَنَّ الظِّلَّ مِرْآةُ نَفْسي
تَسْتَدْعيني لِأَلْقاكَ دَاخِلَها
*
ب- [سُؤَالُ الأَرْض]
لَا تَفْرِقُ أَرْضُ اللهِ
بَيْنَ وَلِيدٍ أَوْ جُثَّةِ غَائِبْ
تَفْتحُ أَبْوَابًا مِنْ صَدْرٍ
تَسْتقْبِلُ فِيها مَنْ يَسْقُطْ
*
قَبْلَ أَنْ تُغْلِقَ تَهْمِسُ:
"هَلْ عِشْتَ؟ هَلْ كَتَبَتْ
رُوحُكَ نَبْضًا يَشْهدُ لَكَ؟"
*
إِنْ قُلْتَ "نَعَمْ" رَحُبَتْ،
وَإِنِ اخْتَرْتَ الصَّمْتَ-
تَرْفُضُ أَنْ تَرْفَعَ ذِكْركَ
*
أَجْري فَوْقَ تُرابِ اللهِ،
أَكْتُبُ: "عِشْتُ... كَتَبْتُ... نَبَضْتُ"،
حَتَّى تَنْشَقَّ الأَتْرَابُ
وَتُقَبِّلَ جَبْهَتَها رُوحي
*
أَعْلَمُ أَنَّ الظِّلَّ الَّذي
أَنْتَمي فِيهِ لِضَوْئِكَ-
هُوَ نُورُكَ يَنْكَسِرُ الآنَ
عَلَى حَافَّاتِ قَبْري
*
ج- [ظِلٌّ يَكْتُبُني]
يَمُرُّ ظِلُّكَ في جُدْرَاني،
يَكْتُبُني... ثُمَّ يَمْحُوني
فَأَعِي أَنَّ وُجُودَ النَّفْسِ
لَحْنٌ يَنْبُتُ مَرَّةَ عُمْرٍ،
وَأَنَّ المَحْوَ هُوَ الإِبْدَاعُ
إِذَا جَدَّدَ أَرْوَاحًا
*
أَبْقَى في ظِلِّكَ أَحْذِفُ،
أَضِيفُ، وَأَرْسُمُ لَحْنًا،
حَتَّى أُمْسي ظِلًّا يَشْبَهُ
مَا يَمْتَدُّ مِنَ الْقَلْبِ إِليْكَ
*
د- [رِسَالَةٌ إِلَى الظِّلّ]
أَبْعَثُ في ظِلِّكَ رِسَالي،
أَكْتُبُها في ظِلِّ قَلَمٍ
فَوْقَ ظِلٍّ يَهْتِزُّ بِوَرَقٍ
*
تَهْتِفُ: "إِنْ أَحْرَقَكَ النُّورُ
يَوْمًا، فَلَا تَهْرُبْ مِنِّي-
فَقَدْ كُنْتُ أَنَا... كُنْتُ أَنَا".
*
أَعْلَمُ أَنَّ الظِّلَّ اليَوْمَ
لَا يَمْلِكُ إِلَّا أَنْ يَفْنَى
إِنْ أَطْفَأَتِ الشَّمْسُ دَرْبًا؛
وَالشَّمْسُ لَا تَنْطَفِئُ إِلَّا
في عَيْنٍ نَامَتْ فَوْقَ النُّور
*
هـ - [النُّورُ الأَخِير]
أَسْتَقيمُ لِضَوْئِكَ حِينًا،
أَمُدُّ يَدِي لِسَرَائِرِهِ،
فَأَرَى في كَفِّي ظِلًّا
كَأَنَّهُ بُقْيا عَيْنَيْكَ
*
أَضَعُ الظِّلَّ عَلَى صَدْري،
أُغْمِضُ عَيْني وَأُدْرِكُ
أَنِّي مَا عِشْتُ لِأَجْلِ الشَّمْسِ،
بَلْ كُنْتُ أُحِبُّ ظِلَالَها-
ثُمَّ صِرْتُ أَنَا ظِلَّها
*
و- كُودَا
[مَسَافَاتُ الظِّلِّ الَّذي يَكْتُبُني]
هُنَاكَ-في بَيْتِ الظِّلِّ-
تَصِيرُ أَسْمَائي لَحْنًا،
وَيَصيرُ ظِلِّي نُقْطَةَ ضَوْءٍ
تَصْعَدُ في جَبينِ اللَّيْلِ
*
كُلَّمَا اِنْكَسرْتُ نَهَضْتُ،
وَكُلَّما اِنْطَفَأْتُ أَضَاءَتْ
فِيكَ نُقْطَةٌ كَانَتْ تُرِيدُ
أَنْ تَرْسُمَني مِنْ جَدِيدٍ
*
وفي آخِرِ الضَّوْءِ-
أَرَى ظِلِّي يَمْتدُّ نَحْوكَ،
كَأَنَّهُ أَنا…
وَكَأَنَّهُ أَنْتَ
***
د. سعد غلام






