قضايا
غريب دوحي: الغائية.. مفهوم فلسفي متهافت

هناك مفاهيم فلسفية تتداولها الكتب التي تعني بالفلسفة لكنها مجرد مفاهيم لا تنتمي الى الفلسفة الحقة ولا الى العلم، لقد انكرها العلم الحديث لكونها قد وضعت نفسها في خدمة الأنظمة الدكتاتورية واصطفت مع رجال الدين المتعصبين في فترة العصور الوسطى في واربا التي تميزت بسيطرة الكنيسة والاقطاع، كذلك شهدت قارة آسيا نفس هذه المظاهر اثناء حقبة السيطرة الاستعمارية، ومن هذه المفاهيم مفهوم (الغائية).
تعاريف الغائية
عرفت الغائية عدة تعاريف منها انها (نظرية مثالية تعتقد ان كل ما في الكون موضوع لغاية مقررة سلفاً وان العمليات الجارية في الطبيعة هي عمليات واعية مقصودة ان ما يراه الغائيون شيء يجانب الحقيقة تماماً، ان الأهداف والغايات ملازمة لنشاط الانسان فقط علماً بأن هذا النشاط نفسه تحدده ظروف موضوعية خارج إرادة الانسان)1.
وعرفها ارسطو (بانها القاعدة الطبيعية فكل شيء يتحرك نحو غاية). وعند كانت... (ان يكون الشيء غاية امر داخلي راجع الى طبيعة الشيء نفسه..) المعجم الفلسفي مراد وهبة 482.
ويربط البعض السببية بالغائية كقولهم: ان هناك سبب او علة وراء كل حدث في الوجود، غير ان السببية هي من المفاهيم الرئيسية التي قام عليها العلم التجريبي منذ ارسطو والمادية الديالكتيكية ترى انه لاتوجد في الطبيعة دون ان يكون لها أسباب، فالسببية مفهوم فيزيائي مادي يختلف عن الغائية. فالغزالي مثلاً في كتابه: تهافت الفلاسفة يقول (ان السبب في النار تحرق ليس هو النار ولكن إرادة الخالق الذي جعلها تحرق، ويمكن اذا أراد الخالق ان يجعل النار برداً وسلاماً كما هي الحال في معجزة إبراهيم الخليل.
وقد اكد القرآن في بعض آياته على مبدأ الغائية كما جاء في الآية (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك – آل عمران 191.
وكذلك (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون) الذاريات 56.
و (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) النحل (8)
وجاء في سورة (المؤمنون) 115 (أفحسبتم انا خلقناكم عبثاً وانكم الينا لا ترجعون)
نقد الفكر الغائي
وجهت انتقادات كثيرة الى الغائية منها: لنأخذ المطر مثلاً فلو سألنا أي انسان ماهي الغاية من سقوط الامطار؟ لأجابنا على الفور: لسقي المزروعات، ولكن المطر ينزل على الشوارع المعبدة وعلى العمارات والبيوت والسيارات وعلى البحار والمحيطات وهذه لا تحتاج الى مطر وليت فيها مزروعات وتنزل هذه الامطار على الصحراء الافريقية الكبرى وهي في امس الحاجة الى المياه، يسقط المطر على كوخ من الطين ويتسبب في موت ساكنيه، فهل ان غايه الاله هي قتل سكان هذا الكوخ المساكين الذين لا ذنب لهم سوى انهم فقراء؟
لقد انتقد الفكر العلمي التنويري الغائية انتقاداً لاذعاً لأنهم ذهبوا الى القول (ان الاله خلق الشجرة خضراء لأن اللون الأخضر نافع للعين والانف مخلوق للنظارات) كما دحض العلم الحديث النظرة الغائية فقد أطاحت نظرية دارون بنظرة الغائية في علم البيولوجيا اذ بينت ان تكيف الاحياء مع حياتها ينبع من عوامل مادية. وقد علق المفكر (انجلز) ساخراً على الفكر الغائي بالقول (لقد خلقت القططة كي تأكل الفئران وخلقت الفئران كي تأكلها القططة..).
***
غريب دوحي
.........................
* مذاهب ومفاهيم في الفلسفة: الدكتور عبد الرزاق مسلم، ص 79.