قضايا
أمين ديونيسيوس: الحياة استراحة من العدم

هذه الحياة ما هي إلا استراحة من العدم، استراحة مؤقتة ربما تكون مدتها 56 عاما كما عاش نيتشه، أو 98 عاما كما عاش راسل، أو حتى سويعات قليلة مثل الأطفال الذين يولدون بأمراض قاتلة ويموتون في يومهم، وبالتالي كل ومدة استراحته هنا. لكن لنتأمل في مفهوم الاستراحة هذا، استراحة من ماذا؟ من العدم؟ كيف يمكن أن يكون العدم مرهقا؟ لم نكن نفعل أي شيء سوى أننا لم نكن موجودين، هل أرهقنا عدم الوجود؟ لا أصدق ذلك، لم نكن نحس ولا نعي أي شيء لكي يرهقنا وضعنا الأول، فلماذا قررنا ترك العدم لكي نرهق أنفسنا في هذا الوجود؟ ربما يكون مصطلح العدم الذي نصف به حالتنا الأولى قبل أن يقدف بنا في هذا العالم مجرد سوء استخدام للغة ولا معنى له كما يقول فتغنشتاين، لكن أين كنا وكيف يمكن أن نصف عدم وجودنا الأول؟ صراحة لا أتذكر نفسي هناك... لكن إذا حاولنا تذكر ما حصل، سندرك أننا كنا حيث لم نكن، فجأة وجدنا أنفسنا هنا، أنا وأنتم في سباق مع ملايير المعدومين الآخرين الذي أرهقهم عدم وجودهم لسبب مجهول طبعا، في سباق مسافته 12 سم، وهذا طول ما يسمى قناة فالوب، وهي التي كانت مسؤولة عن نقلي ونقلكم من العدم إلى الوجود، أقصد إلى البويضة لنوجد بعد العملية البيولوجية بين الأب والام والتي لم يعطى لنا الاختيار فيها إذا كنا نريد هذه الاستراحة أم لا. هل طلبتها أنا؟ لا صراحة لا أذكر ذلك ولا انتم طبعا، فكيف ستطلبون استراحة من عدم فعل أي شيء، تلك النرفانا والأتراكسيا التي كنا منطفئين فيها والتي تفقدها الآن..
نحن الآن نفرق بين حالة العدم الأولى وحالة الوجود الحالي، لكن هل يمكن أن يوجد العدم بدون وجود، يقول سارتر أن العدم ليس هو الافتقار إلى الوجود، بل العدم مرتبط ارتباطا وثيقا بالوجود ولا وجود لعدم بدون وجود، أو بدون موجود في الوجود ليفكر في عدمه الأول لذلك لم نكن ندرك عدمنا الأول، فتحتم ربما وجودنا لكي ندرك عدمنا الأول.. لكن ما قيمة إداركنا وتفكيرنا في حالتنا الأولى؟ ما فائدة ذلك؟ ما همنا بذلك؟ هل مل منا العدم لدرجة أنه قدف بنا إلى الوجود لندركه؟ هل احتاج لنا؟
وهذا سؤال مشابه للسؤال الشهير حول لماذا خلقنا الله؟ هل احتاج لنا لكي يصبح إله؟ وإذا لم يكن احتاج لنا ويعتبر إله بدوننا فآنذاك إله من؟
يا لها من استراحة عدمية مليئة بالأسئلة التي لا جواب قطعي عليها...
***
الكاتب: أمين ديونيسيوس