قضايا

سعد عبد المجيد: لماذا وجد فكر عبد الجبار الرفاعي صدى في المغرب وتجاهله المشرق؟

في عالمٍ عربي مأزوم، تتصارع فيه الهويات والولاءات، وتُختزل فيه قضايا الدين في شعارات أو مؤسسات تقليدية، يبرز فكر الدكتور عبد الجبار الرفاعي كمشروع فلسفي وإنساني يسعى إلى إعادة بناء العلاقة بين الإنسان والدين على أساس الرحمة، والتسامح، والكرامة الإنسانية. غير أن هذا الفكر، رغم عمقه واتساقه، قُدِّر له أن يُستقبل بحفاوة في فضاءٍ ثقافي دون آخر. فبينما لقي قبولًا وتفاعلًا واسعًا في المغرب العربي—رغم أن هذه المنطقة تضم عددًا من المفكرين البارزين في مجال التنوير وتجديد الخطاب الديني، من خلال نقد التراث والانفتاح على العلوم الإنسانية والدعوة إلى قراءة جديدة للدين تتلاءم مع متغيرات العصر—بقي هذا الفكر محدود الانتشار إلى حد كبير في المشرق العربي، وتحديدًا في بيئته الأصلية “العراق”، التي كان الأجدر أن تحتضنه.

يرجع هذا التباين في التلقي إلى جملة من الأسباب العميقة. فثقافة المغرب العربي، تاريخيًا، أكثر انفتاحًا على الفلسفة والأنثروبولوجيا ومقاربات الفكر الديني الحديثة. هناك، لا يُنظر إلى التجديد الديني بعين الشك، بل يُعتبر ضرورة لمواكبة العصر وتحقيق التوازن بين الإيمان والعقل. لذلك، كان لفكر الرفاعي، الذي يدعو إلى “لاهوت رحماني” يُحرّر الدين من أسر النصوص المغلقة والقراءات العنيفة، وقعٌ إيجابي لدى النخب الفكرية والجامعات والمؤسسات الثقافية في المغرب.

أما في المشرق، فالوضع أكثر تعقيدًا. إذ يرزح تحت وطأة صراعات طائفية وسياسية مزمنة، اختلط فيها الدين بالهوية والانتماء، حتى أصبحت كل دعوة إلى تجديد الفكر الديني تُقرأ في ضوء الانقسام لا الإصلاح. في بيئة كهذه، لا يجد مفكر مثل الرفاعي مكانًا رحبًا، لأنه لا ينتمي إلى المؤسسة الدينية التقليدية، ولا يهادن السلطة، بل يطرح رؤية معرفية تهدم الأسس الجامدة وتعيد بناء العلاقة مع الدين من منظور إنساني وأخلاقي.

يقدّم الرفاعي، عبر كتبه ومجلته قضايا إسلامية معاصرة، طرحًا جريئًا لمسألة الإيمان، يتجاوز منطق الفروض والحدود، ليبحث عن الله في أعماق التجربة الإنسانية. وهو ما جعل صوته مسموعًا في مجتمعات تبحث عن خطاب ديني جديد، غير دوغمائي، يُخاطب العقل والروح معًا.

لقد آن الأوان للمشرق العربي، وخصوصًا العراق، أن يعيد النظر في فكر مفكريه، وعلى رأسهم الدكتور عبد الجبار الرفاعي، وأن يتبنى أفكارهم التنويرية التي تتماشى مع روح العصر—عصر الذكاء الاصطناعي والنهضة الرقمية—دون الخوف من قوة ما يحملونه من تحولات تهدد السائد والجامد. فمثل عبد الجبار الرفاعي لا يُقاس حضوره الجغرافي، بل بتأثيره في ضمير الأمة.

***

د. سعد عبد المجيد ابراهيم

 

في المثقف اليوم