قضايا

مصطفَى غَلْمَان: سيكولوجية شبكات التواصل الاجتماعي

تروم الابحاث والدراسات الجديدة، التي تقارب اشكاليات راهنة، تتعلق بمنظورات سيكولوجيا عالم التواصل الاجتماعي، وقابلياتها في فهم الديناميكيات النفسية والعصبية الاجتماعية المتساوقة مع الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، تروم الكشف عن مجمل التأثيرات وعلاقتها بوضعيات المستعملين المتنامية على مستوى الاضطرابات والسلوكيات المحايثة.

من مخاطر بروز هذا النوع من الطفرات التخصصية، في مجال حديث الولادة والظهور، المحاولات الاقتدارية لعلماء النفس، في البحث عن مظاهر وخلفيات الافتتان والتحجج بالخطابات المستنتجة من احتياجات التفاعل البشري مع المنصات الرقمية، في درجات تأسيسها البنيوي الداخلي ليوطوبيات الانتماء والتواصل والتقدير وعلو الأنا المخاطبة، ما يكرس حدودا مطلقة تعكس ارتطامات سلوكية باطنية، تتجذر في الوعي اللا ارادي، لتصبح أداة طيعة لإفرازات تؤدي الى القلق والشك والادمان والاكتئاب والترفع عن الواقع!

لا يستعصي على المهتمين بالأسئلة المطروحة، إيجاد روافد سوسيولوجية وثقافية محضة، لهذا النوع المثير من تأثيرات الرقمي على واقع الحال البشري. فالإدمان عليه، يوفر هامشا من التحول البين لاستهداف الهوية مباشرة دون عناء. إذ إن مصاحبة آليات الجذب الثقافية والترويجية، واغمارها بمرموزات وعلامات استراتيجية، تخلق بالتتابع معرفة بحياة أخرى " مثالية وطوباوبة ربما", تستنكف الذوات المبخرة في أعالي الفضاء الازرق، وتستثير قدراته النفسية والاجتماعية، للانخراط فيها دون وعي او احتمال عواقب.

ويثير السوسيولوجي الايرلندي سياران ماهون (1) في مؤلفه " سيكولوجية وسائل التواصل الاجتماعي"، جزءا من العقيدة السيكولوجية لتبدلات الأفراد والجماعات ضمن سياقات توتر بين الحقيقي والافتراضي، مضمنا قيم العزلة والالهاء وقتل الوقت، كعناصر مشتتة للوعي ومحاصرة لمقدرات الذات وقدرتها على الصمود .

ويبارز ماهون مثالب الانقلاب على الطبيعة الإنسانية، الواعية بالزمان وموجوداته وانماطه وتوتراته، مؤسسا جانبا من حدود ثاوية من خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، القائمة على تحفيز وتشجيع الممارسات الإدمانية من خلال تقديم محتوى يتوافق مع توقعات المستخدمين.

إن روابط تلك الممارسات المنفلتة تعمل على محاصرة المبحرين داخل فقاعات المعلومات، معرضة اياهم لمزيد من التشويش والاغراق الذهني، مشروب بكم هائل من المعلومات المضللة.

وفي السياق، يمكن التدليل ايضا بإسهامات شبكات التواصل الاجتماعي في استقطاب ما يمكن توجيهه على اعتباره آراء ووجهات نظر حرة؛ بيد أنها تشكل فقاعات طافقة تشجع الانقسامات، وتؤدي إلى الرفض والخوف من الآخرين.

إن المواقف الدقيقة أو المعتدلة ليست شائعة. كما أن الاعتبارات القريبة من بناء التفكير واستقصاء التأملات، بكيفية التعامل مع الكائنات الافتراضية، يكاد يكون منعدما ورافضا لمبدئية التعميم القيمي وأخلاق القيمة.

ومن المخاطر الأخرى التي تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي هو التماهي مع معايير لا يمكن بلوغها: يقول المحلل النفسي الفرنسي المتخصص في الادمان والتكنولوجيا الرقمية(2) إنه "في السنوات الخمس أو الست الماضية، كان الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً هم الأكثر لجوءا إلى الجراحة التجميلية لكي يشبهوا مرشحات إنستغرام أو صورهم الرمزية الرقمية. ما هي المرآة التي تحملها هذه المنصات؟ ما هي الصورة الذاتية التي يعكسونها؟" يتساءل الباحث، مبديا غرابته المشروعة، تجاه بروز مظاهر اجتماعية أخطر في المجتمع، ترتقي لتكون الاكثر شذوذا في الدورة الزمنية السيكولوجية.

يضيف متفاعلا ومنفعلا: " أنا مقتنع أيضًا بأننا يجب أن نعالج ذكاء المراهقين، بدلًا من محاولة السيطرة على عاداتهم. ومن خلال التساؤل معهم حول مثالية المجتمع، وعبادة الأداء، والاستهلاك، والأمر بالتقيد بالمعايير التي تنقلها الشبكات، فإننا نساعدهم على تطوير منظور نقدي. يتعين علينا أن نكون حذرين حتى لا نجعل الشاشات هي المتهم المثالي: إذ يمكن للتكنولوجيا الرقمية أيضاً أن تكون حليفاً تعليمياً وفكرياً هائلاً".

***

مصطفَى غَلْمَان

......................

(1) "الشبكات الاجتماعية: كيف نحمي الشباب؟" مكائيل ستورا، info.gouv.fr، 30 ابريل 2024

(2) "سيكولوجية وسائل التواصل الاجتماعي " سياران ماهون، ترجمة عمر فتحي، المحروسة للنشر مصر، ط1/ 2024

في المثقف اليوم