قضايا

طه جزاع: المرأة والعقل الفلسفي

بقيت الفلسفة لزمن طويل مقترنة بالطابع الذكوري، وأرتكز تاريخها على ما أنتجه رجال في مختلف الحضارات الغربية والشرقية، باستثناء ما ورد في التواريخ العامة من اسماء حكيمات أمثال ديوتيما ملهمة سقراط ومعلمته، واسبازيا الملطية، وهيباتيا فيلسوفة مدرسة الاسكندرية. كما أن مؤرخاً حديثاً للفلسفة بحجم برتراند رسل لم يذكر في موسوعته الضخمة " تاريخ الفلسفة الغربية" أي فيلسوفة غربية، ربما تحيزاً تاريخياً للذكورة الفلسفية التي تهمش النساء فلسفياً وثقافياً. غير أن العصر الحديث، عصر الحريات والمساواة شهد انصافاً للمرأة المفكرة، فبرزت منهن في القرنين الأخيرين فيلسوفات تركن أثرهن في مسيرة الفكر الفلسفي، بالأخص في العقود الأخيرة أمثال الألمانيتين إديث شتاين، وحنّة أرندت صاحبة كتاب " في الثورة "، والفرنسية سيمون دي بوفوار، والاميركية جوديث بتلر، ومواطنتها سوزان لانكر.

في كتابها الجميل " الخطاب الفلسفي النسوي" الصادر عن دار المرهج، تستعرض الباحثة هيام ضياء نماذج منتخبة لأربع من فيلسوفات تيار ما بعد الحداثة، في مجال فلسفة العلم النسوية، وما بعد النسوية، ساندرا هاردنج، ونورتا كورتجي، وجوليا كرستيفا، وجوديث بتلر، وكلهن اميركيات باستثناء الفرنسية البلغارية كرستيفا، ومما توصلت إليه ان الخطاب الفلسفي النسوي " كان موجوداً فعلاً في جميع العصور، لكنه كان مهمشاً ومطموراً "، متهمة الفلاسفة بـ " النيل من حرية المرأة وتهميش دورها ومحاولة التقليل من شأنها " وأولهم أفلاطون الذي لم يشرك المرأة بشخصها أو رأيها في محاوراته " وهو بالنهاية جرى على نهج الثقافة الذكورية السائدة في عصره " .

ترى هل بالإمكان الحديث عن فلسفة ذكورية، وأخرى أنثوية، أم أن الفلسفة هي نتاج مجمل العقل الإنساني المجرد عن الذكورة والأنوثة؟. سؤال يحضر في الذهن بعد قراءة ممتعة للخطاب الفلسفي " النسوي " كما قدمته هيام ضياء.

***

د. طه جزاع – كاتب واكاديمي

 

في المثقف اليوم