قضايا

طه جزاع: مخاطر التزييف العميق

أفرز الذكاء الاصطناعي التوليدي الكثير من البرامج والتطبيقات، التي أتاحت للمستخدمين ترويج أنواع الخدع والأكاذيب عبر الصور والفيديوهات والأصوات المركبة، التي تهدف إلى الإساءة والمساس بخصوصيات وسمعة الناس العاديين، أو المشاهير، لأهداف متنوعة شخصية، أو اجتماعية، أو سياسية. وتزداد مثل هذه الاستخدامات عادة أثناء احتدام النزاعات والمجادلات والمنافسات الانتخابية، مما يستوجب التيقظ والانتباه والحذر الشديد في تداولها وترويحها على نطاق واسع. وإذا كانت بعض التقنيات الخادعة يتم كشفها بسهولة لدى عامة الناس من دون عناء لسذاجتها ولا منطقيتها وضعف فبركتها، إلا أن الخطورة تكمن في تلك الأعمال بالغة الدقة، التي تطلق عليها تسمية التزييف العميق Deep fakes التي تظهر الخدع وكأنها حقيقة لا شك فيها، سواء كانت على شكل فيديوهات أو أصوات، يتم فيها استبدال وجوه الأشخاص أو تعبيراتهم بوجوه وتعبيرات أخرى، أو حتى تقليد أصوات لأشخاص ينطقون بكلمات أو أحاديث أو تصريحات لم ينطقوا بها أبداً، ما تشكِّل تحدياً يمكن أن يؤدي إلى عواقب خطيرة على الصعيد الشخصي والمجتمعي.

قد يرى البعض أن الحد من استخدام تقنيات التزييف العميق، أو مراقبتها، وربما حجبها إن اقتضى الأمر، يمكن أن يمس بحرية التعبير، أو يحدُ من الحريات الشخصية في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتقنياته المتاحة أمام الجميع، غير أن دولة تُحسب في مقدمة الدول التي تتبنى مفاهيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان مثل الولايات المتحدة الأميركية، لجأت إلى سن قانون اتحادي يُجرم نشر الصور الإباحية والحميمية، على الانترنت دون موافقة أصحابها، بما في ذلك الصور وغيرها، التي يتم انشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي عبر تقنية التزييف العميق. بل إن القانون الذي وقعه الرئيس الاميركي مؤخراً يلزم منصات التواصل الاجتماعي بإزالة تلك الصور في غضون 48 ساعة عند طلب الضحايا.

***

د. طه جزّاع – كاتب وأكاديمي

 

في المثقف اليوم