قضايا

بتول فاروق: الفقه المتعالي عن الواقع.. مدونة أخروية لوقائع يومية

هل الأصل أن تواكب الأحكام الواقع، المتغير بالعادة، أم على الواقع أن يساير الأحكام، فيغير من مسيرته، ليسير وفق قوالب حكمية متعالية؟

الفقهاء التقليديون ينظرون إلى الأحكام باعتبارها ثوابت منزلة من الشريعة، والوظيفة ليست إعادة النظر في الحكم، بل إعادة صياغة الواقع ليتوافق معه.

هذا المنهج يقوم على فكرة أن الحكم الشرعي فوق الواقع لأنه كاشف عن "إرادة الله"، والواقع بطبيعته متغير ومليء بالاختلالات، فلا بد من تقويمه، ورفعه ليتلائم مع الحكم .

لذلك نجد في التراث الإسلامي نصوصًا تؤكد على “اتباع " الشريعة" ولو خالفت أهواء الناس”. هذا التوجه جعل الأحكام تبدو أحيانًا “متعالية” عن الواقع، غير قابلة للتغيير إلا في حالة الضرورات والتزاحم).

بعض المفكرين المعاصرين من داخل الحوزة (مثل السيد محمد باقر الصدر في بعض إشاراته (منطقة الفراغ التشريعي)، وعبد الكريم سروش خارج الإطار الحوزوي) أكدوا أن الفقه ليس وحيًا، بل هو فهم بشري ظني للنصوص.

وبما أن الفهم بشري، والظن “معتبر” فقط ضمن شروط معرفية معينة، فإن بقاء الحكم دون مساءلة قد يؤدي إلى قطيعة مع الواقع.

فإذا كان الحكم ظنيًا، فما الذي يبرّر أن يُطلب من الواقع أن يتغير لأجله، لا أن يُعاد النظر في الاستنباط نفسه؟

لذا تنشأ المطالبة بـ”مساءلة البنية الفقهية” نفسها، وليس الواقع وحده.

وهذا ماذهب الية (يحيى محمد) في كتابه فهم الواقع، لابد من النظر الى الحكم وقابليته للتطبيق على أرض الواقع وأفق توقع الناس، وكذلك معرفة ملابسات الواقع، لضمان عدم سوء التطبيق .

في التراث الإمامي، اعتُبرت الأحكام انعكاسًا لإرادة الشارع المقدسة، فهي فوق التاريخ والواقع. وعلى هذا الأساس فإن مهمة المكلف والمجتمع هي إخضاع الواقع للحكم الشرعي، حتى لو بدا الحكم بعيدًا عن مقتضيات الظرف الاجتماعي أوالاقتصادي.

وهذا مافعله كتاب "المدونة الجعفرية " (التي أقرت يوم ٢٧/ ٨/ ٢٠٢٥ في البرلمان العراقي دون قراءة أولى  أوثانية)، فهم لم يكتبوا نصوصا لتواكب الواقع وتعطي حلولا لمشاكل متفاقمة تحتاج لحلول واقعية تناسب القرن الواحد والعشرين، لشعب مزقته الحروب والصراعات. مافعلوه هو أنهم نقلوا نصوصا من الكتب الفقهية دون النظر الى مديات تطبيقها اليوم، فالفلسفة التي تنبثق منها رؤيتهم للفقه أنه مجموعة أحكام تنفع للسعادة الأخروية، لتبرأ ذمتنا يوم القيامة، فالسعادة الدنيوية غير مقصودة بالأصالة، بل آثار تابعة. (صرح بذلك الشيخ الأنصاري في فرائد الأصول، والمقرر النائيني في فوائد الأصول، والسيد محمد باقر الصدر في الحلقات)

كانت غايتهم الأولى (كتاب المدونة) تطبيق الأحكام الفقهية على كل حال لكونها أحكاما واجبة التنفيذ لإبراء ذمة مشغولة يوم القيامة. يقولون علينا التسليم بالأحكام حتى وأن لانعرف ماهي المصلحة التي فيها، ومهما بدت غريبة لنا وحتى لو لوينا عنق الواقع ليسير وفق فقه متعال غير معروف الهدف!.

أي نفذوا فقط، بلا سؤال عما تحمله هذه المدونة من كوارث أو نجاحات !. الرسائل، والمحقق النائيني في فوائد الأصول، وأكّد عليه السيد محمد باقر الصدر في الحلقات، دون أن تكون النتائج الدنيوية (كالنجاح الأسري أو العمران).

***

بتول فاروق / النجف

٨/ ٩/ ٢٠٢٥

في المثقف اليوم