قضايا

عبد الجليل البدري: الكومنتاريا كطبقة معرفية جديدة

جدليات المثقف والتحول الرمزي في مواجهة رأس المال الخوارزمي

 ملخص البحث: يُقدّم هذا البحث قراءة تحليلية وتطبيقية لمفهوم "الكومنتاريا" بوصفه طبقة معرفية جديدة تُعيد تعريف موقع المثقف في ظل التحولات الرقمية والاقتصادية المعاصرة. ينطلق البحث من المقال التأسيسي لإبراهيم برسي، الذي طرح الكومنتاريا كمقولة مفتوحة، ويُعيد تفعيله عبر نماذج عراقية ومقارنات دولية، في محاولة لتحويله من تأمل نظري إلى ممارسة تحليلية قابلة للرصد والتوظيف.

يركّز البحث على جدلية العلاقة بين الكومنتاريا ورأس المال الخوارزمي، حيث تتحول المعرفة إلى سلعة، والمثقف إلى مستهلك للرمز، مما يستدعي مقاومة رمزية تُعيد الاعتبار لفائض الوعي بوصفه أداة تحليلية. كما يُبرز البحث نماذج محلية من الحقل الأكاديمي والمجتمعي تُجسّد الكومنتاريا بوصفها استعادة للمعرفة المحلية، لا استيرادًا نظريًا.

عبر مقارنات نقدية مع السياقات المصرية، الأوروبية، واللاتينية، يُبيّن البحث تنوّع أشكال الكومنتاريا، ويقترح إطارًا تحليليًا لرصدها وتفعيلها، من خلال مؤشرات نوعية وأدوات متعددة تشمل الورقة، المنصة، والحوار. ويُختتم البحث بدعوة إلى تطوير "كومنتاريا مضادة" تُقاوم الاستلاب الرقمي، وتُعيد للمثقف موقعه كمنتج للوعي، لا مجرد ناقل للمعلومة

المقدمة

في ظل التحولات البنيوية التي يشهدها العالم المعاصر، لم تعد المعرفة مجرد نتاج تأملي أو تراكمي، بل أصبحت أداة مركزية في إعادة تشكيل السلطة، والوعي، والاقتصاد الرمزي. وبينما كانت البروليتاريا تمثل طبقة الصراع في عصر رأس المال الصناعي، تبرز اليوم "الكومنتاريا" كمفهوم جديد يُعيد تعريف موقع المثقف في عصر رأس المال الخوارزمي، حيث تتحول الخوارزميات إلى أدوات لإنتاج الذائقة، وتوجيه السلوك، وإعادة ترميز الواقع.

ظهر مصطلح "الكومنتاريا" في المقال التأسيسي لإبراهيم برسي بوصفه محاولة لتأطير طبقة معرفية جديدة، لا تكتفي بالتعليق أو التفسير، بل تسعى إلى إنتاج فائض من الوعي، في مواجهة فائض القيمة الذي شكّل جوهر الصراع الاقتصادي سابقًا. هذا التحول من اليد إلى العقل، ومن المصنع إلى المنصة، ومن الإنتاج المادي إلى الإنتاج الرمزي، يستدعي إعادة التفكير في دور المثقف، وفي أدواته، وفي علاقته بالسلطة.

ينطلق هذا البحث من قراءة تحليلية ونقدية للمقال التأسيسي، ويُعيد تفعيل المفهوم عبر نماذج تطبيقية من السياق العراقي، حيث تتداخل الأكاديمية بالمجتمعية، وتُنتج الكومنتاريا المحلية أدواتها الخاصة، بعيدًا عن الاستيراد النظري. كما يُقارن البحث هذه النماذج بسياقات دولية، في محاولة لرصد ملامح الكومنتاريا كممارسة معرفية عابرة للحدود، لكنها مشروطة بالسياق.

ويطرح البحث إشكالية مركزية: هل يمكن للكومنتاريا أن تكون أداة مقاومة معرفية في مواجهة الاستلاب الرقمي؟ وهل يستطيع المثقف أن يتحول من مستهلك للرمز إلى منتج له؟ وما هي المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس أثر الكومنتاريا في الحقول الأكاديمية، والإعلامية، والسياسات العامة؟

من خلال هذه الأسئلة، يسعى البحث إلى بناء إطار تحليلي للكومنتاريا، يُمكّن من رصدها، وتفعيلها، وتوظيفها، بوصفها طبقة معرفية جديدة، لا تُكمل دور المثقف التقليدي، بل تُعيد صياغته.

الفصل الأول: الإطار النظري لمفهوم الكومنتاريا

1.1 تمهيد مفاهيمي

في ظل التحولات المعرفية والرقمية التي يشهدها العالم، لم تعد المعرفة مجرد نتاج تأملي أو تراكمي، بل أصبحت أداة مركزية في إعادة تشكيل السلطة، والوعي، والاقتصاد الرمزي. وبينما كانت البروليتاريا تمثل طبقة الصراع في عصر رأس المال الصناعي، تبرز اليوم "الكومنتاريا" كمفهوم جديد يُعيد تعريف موقع المثقف في عصر رأس المال الخوارزمي، حيث تتحول الخوارزميات إلى أدوات لإنتاج الذائقة، وتوجيه السلوك، وإعادة ترميز الواقع.

ظهر مصطلح "الكومنتاريا" في المقال التأسيسي لإبراهيم برسي بوصفه محاولة لتأطير طبقة معرفية جديدة، لا تكتفي بالتعليق أو التفسير، بل تسعى إلى إنتاج فائض من الوعي، في مواجهة فائض القيمة الذي شكّل جوهر الصراع الاقتصادي سابقًا. هذا التحول من اليد إلى العقل، ومن المصنع إلى المنصة، ومن الإنتاج المادي إلى الإنتاج الرمزي، يستدعي إعادة التفكير في دور المثقف، وفي أدواته، وفي علاقته بالسلطة.

1.2 من البروليتاريا إلى الكومنتاريا: تحولات المفهوم

في الفكر الكلاسيكي، كانت البروليتاريا تُعرّف بوصفها الطبقة العاملة التي تواجه رأس المال الصناعي داخل فضاء المصنع، مستخدمة اليد كأداة إنتاج، وساعية إلى انتزاع فائض القيمة من علاقات العمل. أما في العصر الرقمي، فإن أدوات الإنتاج لم تعد مادية فقط، بل رمزية وخوارزمية، حيث تنتقل ساحة الصراع من المصنع إلى المنصة، ومن اليد إلى العقل، ومن القيمة الاقتصادية إلى الوعي الرمزي.

في هذا السياق، لا تُعرّف الكومنتاريا بالانتماء الطبقي أو الاقتصادي، بل بالقدرة على إنتاج فائض من الوعي، عبر أدوات متعددة تشمل الورقة، والمنصة، والصوت، والصورة، والتفاعل النقدي. وهي بذلك لا تمثل امتدادًا للبروليتاريا، بل تحولًا نوعيًا في طبيعة الفاعل المعرفي، وفي أدواته، وفي علاقته بالسلطة.

1.3 رأس المال الخوارزمي: السلطة الجديدة

يشير رأس المال الخوارزمي إلى نمط جديد من السيطرة، لا يعتمد على الإنتاج المادي، بل على تنظيم المعرفة، وتوجيه السلوك، وصياغة الذائقة عبر الخوارزميات. في هذا السياق، يصبح المثقف معرضًا للاستلاب الرقمي، حيث تتحول المعرفة إلى سلعة، والمثقف إلى مستهلك للرمز، لا منتج له. وهنا، تبرز الكومنتاريا كممارسة مقاومة، تُعيد ترميز الواقع، وتُنتج أدوات تحليلية جديدة، وتُعيد للمثقف موقعه كفاعل رمزي مستقل.

1.4 خصائص الكومنتاريا كممارسة معرفية

تتميز الكومنتاريا بعدة خصائص تجعلها مختلفة عن الأدوار التقليدية للمثقف. فهي لا مركزية، لا تنتمي إلى مؤسسة محددة، بل تتشكل عبر التفاعل الحر في فضاءات متعددة. وهي متعددة الوسائط، تستخدم الورقة والمنصة والصوت والصورة والرمز، وتتحرك بين النص والتحليل والتفاعل. كما أنها جدلية، لا تكتفي بالتفسير، بل تُعيد إنتاج الأسئلة، وتُفكك المسلمات. وهي سياقية، تنطلق من الواقع المحلي، لكنها منفتحة على المقارنات العالمية، وتتحرك بين الخصوصية والانفتاح. والأهم، أنها تحويلية، تسعى إلى تحويل المعرفة إلى فعل، لا إلى تأمل فقط، وتُعيد للمثقف دوره بوصفه منتجًا للوعي، لا مجرد ناقل له.

الفصل الثاني: قراءة تحليلية في المقال التأسيسي لإبراهيم برسي

2.1 المقال بوصفه لحظة تأسيسية

يشكّل مقال إبراهيم برسي حول "الكومنتاريا" لحظة تأسيسية لمفهوم جديد في حقل الفكر النقدي، حيث لا يُقدَّم المصطلح بوصفه تعريفًا مغلقًا، بل بوصفه اقتراحًا مفتوحًا لتحويل دور المثقف من التعليق إلى الفعل، ومن التفسير إلى إعادة إنتاج الوعي. يتميز المقال بقدرته على الجمع بين التأمل الفلسفي والتحليل الاجتماعي، ما يمنحه قابلية التفعيل في سياقات متعددة، دون أن يفقد عمقه النظري.

2.2 المفاهيم المركزية في المقال

يتضمن المقال عدة مفاهيم محورية تُشكّل البنية النظرية للكومنتاريا، أبرزها:

- فائض الوعي: كمقابل رمزي لفائض القيمة، يُشير إلى قدرة المثقف على إنتاج معرفة تتجاوز الحاجة المباشرة، وتُعيد تشكيل الذائقة العامة.

- المنصة: بوصفها فضاءً جديدًا للصراع الرمزي، تنتقل فيه أدوات التأثير من الورقة إلى الخوارزمية، ومن الخطاب إلى التفاعل.

- التحول الرمزي: حيث يُعاد تعريف السلطة ليس فقط بوصفها احتكارًا للمعلومة، بل بوصفها قدرة على ترميز الواقع وإعادة إنتاجه.

هذه المفاهيم لا تُقدَّم بوصفها نظريات جاهزة، بل بوصفها أدوات تحليلية قابلة للتطوير، وهو ما يمنح المقال طابعه الجدلي والانفتاحي.

2.3 جدلية التأسيس والانفتاح

ما يميز المقال هو أنه لا يسعى إلى غلق المفهوم داخل تعريفات جامدة، بل يُعيد فتحه عبر دعوة ضمنية إلى التفاعل، والتطبيق، والتوسيع. وهذا ما يجعل الورقة البحثية الحالية امتدادًا للمقال، لا تعليقًا عليه؛ إذ تسعى إلى تفعيل المفهوم في السياق العراقي، وتحويله من مقولة تأملية إلى ممارسة تحليلية قابلة للرصد والملاحظة.

2.4 الكومنتاريا كدعوة للحوار

في ختام المقال، يُقدَّم المفهوم بوصفه مشروعًا مفتوحًا على الحوار، لا لحظة كتابية منتهية. وهذا ما يُفسّر استجابة الورقة البحثية الحالية، التي لا تكتفي بالشرح، بل تُعيد إنتاج المفهوم عبر نماذج محلية، ومقارنات دولية، واقتراحات منهجية. فالكومنتاريا، بهذا المعنى، ليست فقط طبقة معرفية، بل دعوة لتجديد أدوات التفكير، وتوسيع فضاء الفعل الرمزي.

الفصل الثالث: الكومنتاريا في السياق العراقي – بين الاستعادة والتفعيل

3.1 السياق العراقي بوصفه حقل اختبار حي

يمثل السياق العراقي بيئة خصبة لاختبار مفهوم "الكومنتاريا"، نظرًا لتعدد مستويات الصراع الرمزي، وتداخل الحقول الأكاديمية، المجتمعية، والإعلامية. ففي بلد يعاني من إرث طويل من التهميش المعرفي، ومن مركزيات خطابية مستوردة، تبرز الحاجة إلى طبقة معرفية محلية تُعيد إنتاج الوعي من داخل السياق، لا من خارجه.

الكومنتاريا هنا لا تُمارس بوصفها ترفًا فكريًا، بل بوصفها ضرورة رمزية، تُعيد للمثقف موقعه كفاعل في الحقل العام، وتمنحه أدوات جديدة للتأثير، خارج الأطر التقليدية للخطاب السياسي أو الأكاديمي.

3.2 النماذج الأكاديمية: الورش والمناهج والخطاب العام

في الحقل الأكاديمي، يمكن رصد ملامح الكومنتاريا في الورش التي تتجاوز التلقين، وتسعى إلى إنتاج معرفة نقدية، وفي المناهج التي تُعيد الاعتبار للسياق المحلي، وفي الخطاب العام الذي يتبناه بعض الأكاديميين في المنصات الرقمية، حيث يتحول الأستاذ الجامعي إلى فاعل رمزي، لا مجرد ناقل للمعلومة.

هذه النماذج، رغم محدوديتها، تُشير إلى إمكانية تفعيل الكومنتاريا داخل المؤسسات، بشرط أن تُعاد صياغة العلاقة بين المعرفة والسلطة، وأن يُمنح المثقف هامشًا حقيقيًا للتأثير.

3.3 النماذج المجتمعية: الإعلام البديل والمبادرات الشبابية

في الحقل المجتمعي، تبرز الكومنتاريا في الإعلام البديل، الذي يتجاوز الخطاب الرسمي، ويُعيد إنتاج الواقع من خلال سرديات محلية، وفي المبادرات الشبابية التي تستخدم المنصات الرقمية لتفكيك المسلمات، وإعادة ترميز القضايا العامة.

هذه النماذج لا تنتمي إلى مؤسسات تقليدية، بل تتشكل عبر التفاعل الحر، وتُعيد الاعتبار للمعرفة بوصفها فعلًا جماعيًا، لا احتكارًا نخبويًا. وهي بذلك تُجسد جوهر الكومنتاريا: إنتاج فائض من الوعي، لا استهلاك للرمز.

3.4 الكومنتاريا كاستعادة للمعرفة المحلية

ما يُميز الكومنتاريا في السياق العراقي هو أنها لا تُمارس بوصفها استيرادًا نظريًا، بل بوصفها استعادة لمصادر القوة الرمزية في السياق المحلي. فهي تُعيد الاعتبار للغة، للتجربة، وللرمز المحلي، وتُقاوم الاستلاب المعرفي الذي يُنتج مثقفًا تابعًا، لا فاعلًا.

وهنا، تبرز الكومنتاريا كممارسة مقاومة، تُعيد للمثقف موقعه، وتمنحه أدوات جديدة للتأثير، دون أن تفقد ارتباطها بالسياق، أو تنزلق نحو التبعية الرمزية.

الفصل الرابع: الكومنتاريا في السياقات الدولية – مقارنات نقدية

4.1 الكومنتاريا خارج المركز: ملاحظات أولية

رغم أن مفهوم "الكومنتاريا" لم يُصغ كمصطلح شائع في الأدبيات العالمية، إلا أن ممارساته الرمزية يمكن رصدها في سياقات متعددة، حيث يتقاطع دور المثقف مع أدوات التأثير الجديدة، ويتحوّل من ناقل للخطاب إلى منتج للوعي. هذه المقارنات لا تهدف إلى تعميم النموذج، بل إلى إبراز التنوع في أشكال التفعيل، وتحديد ما يمكن استعادته أو نقده في السياق العراقي.

4.2 مصر: المثقف الرقمي في مواجهة السلطة الرمزية

في السياق المصري، برزت الكومنتاريا عبر منصات رقمية مستقلة، حيث تحوّل المثقف إلى فاعل رمزي يستخدم الوسائط الجديدة لتفكيك الخطاب الرسمي، وإعادة إنتاج سرديات بديلة. ورغم التضييق السياسي، استطاعت بعض المبادرات أن تُعيد الاعتبار للمعرفة النقدية، وأن تُنتج محتوىً يُخاطب الجمهور العام بلغة بسيطة، دون أن يفقد عمقه التحليلي. هذه التجربة تُظهر كيف يمكن للكومنتاريا أن تتشكل خارج المؤسسات، وأن تُمارس بوصفها مقاومة رمزية، لا خطابًا نخبويًا.

4.3 أوروبا: المنصات النقدية المستقلة كمجال للكومنتاريا

في أوروبا، تتجلى الكومنتاريا في المنصات النقدية التي تُعيد إنتاج المعرفة خارج الجامعات، وتُخاطب جمهورًا متنوعًا، مستخدمة وسائط متعددة تشمل المقال، البودكاست، الفيديو، والنقاشات المفتوحة. هذه المنصات لا تُعرّف نفسها بوصفها بديلًا أكاديميًا، بل بوصفها فضاءً ثالثًا، يُعيد الاعتبار للجدل، ويُنتج معرفة غير خاضعة للتمويل المؤسسي أو التوجيه السياسي. وهي بذلك تُجسد الكومنتاريا بوصفها ممارسة مستقلة، تُعيد للمثقف حريته الرمزية، وتُفعّل أدواته خارج الأطر التقليدية.

4.4 أمريكا اللاتينية: المثقف المقاوم كفاعل رمزي

في أمريكا اللاتينية، يُمارَس دور الكومنتاريا من خلال المثقف المقاوم، الذي لا يكتفي بالتحليل، بل ينخرط في الفعل السياسي والاجتماعي، مستخدمًا المعرفة بوصفها أداة للتغيير. هذه التجربة تُظهر كيف يمكن للكومنتاريا أن تتجاوز المنصة، لتتحول إلى ممارسة ميدانية، تُعيد ترميز الواقع من خلال الاحتكاك المباشر، لا فقط عبر الخطاب. وهي بذلك تُقدّم نموذجًا للكومنتاريا المتجذرة في السياق، والمُنخرطة في الصراع، دون أن تفقد استقلالها المعرفي.

4.5 ملاحظات ختامية

تُظهر هذه المقارنات أن الكومنتاريا ليست نموذجًا واحدًا، بل ممارسة متعددة الأشكال، تتكيف مع السياق، وتُعيد إنتاج أدواتها حسب الحاجة. وهي بذلك تُقدّم للمثقف العراقي فرصة لتفعيل دوره، دون أن يُستلب بنماذج مستوردة، أو يُقيَّد بخطابات جاهزة. فالكومنتاريا، في جوهرها، دعوة لإعادة إنتاج الذات المعرفية، عبر أدوات محلية، ومنصات مفتوحة، وسرديات مقاومة.

الفصل الخامس: الاستلاب الرقمي والكومنتاريا المضادة

5.1 المعرفة كسلعة: من الإنتاج إلى الاستهلاك

في ظل تصاعد رأس المال الخوارزمي، لم تعد المعرفة تُنتج بوصفها فعلًا نقديًا أو تأمليًا، بل أصبحت تُصاغ وتُوزّع وفق منطق السوق، حيث تُقاس قيمتها بعدد النقرات، والمشاهدات، والتفاعلات. هذا التحول يُعيد تشكيل موقع المثقف، الذي بات مهددًا بالتحول إلى مستهلك للرمز، لا منتج له؛ إذ تُعاد صياغة الذائقة عبر خوارزميات تُفضّل التبسيط، وتُقصي التعقيد، وتُعيد إنتاج المسلمات.

في هذا السياق، يُصبح الاستلاب الرقمي شكلًا جديدًا من السيطرة، لا يُمارَس عبر القمع المباشر، بل عبر الإغراق الرمزي، حيث تُحوّل المعرفة إلى محتوى، والمحتوى إلى سلعة، والسلعة إلى أداة لإعادة إنتاج الوعي المُعلّب.

5.2 المثقف بين التفاعل والتفكيك

يجد المثقف نفسه اليوم أمام خيارين: إما الانخراط في منطق المنصة بوصفه منتج محتوى، أو الانكفاء داخل فضاءات مغلقة لا تُخاطب الجمهور العام. هذا التوتر يُعيد طرح سؤال الكومنتاريا: هل يمكن للمثقف أن يُعيد ترميز الواقع، دون أن يُستلب داخل منطق الخوارزمية؟ وهل يمكن للكومنتاريا أن تُمارَس بوصفها مقاومة رمزية، لا مجرد تفاعل رقمي؟

الكومنتاريا، بهذا المعنى، لا تُعرّف فقط بالقدرة على إنتاج المعرفة، بل بالقدرة على تفكيك أدوات إنتاجها، وعلى إعادة صياغة العلاقة بين الرمز والمتلقي، بحيث يُصبح المثقف فاعلًا في تشكيل الذائقة، لا تابعًا لها.

5.3 نحو كومنتاريا مضادة

في مواجهة الاستلاب الرقمي، تبرز الحاجة إلى "كومنتاريا مضادة"، تُعيد الاعتبار للمعرفة بوصفها فعلًا نقديًا، وتُنتج أدوات جديدة للتأثير، دون أن تُستلب داخل منطق السوق. هذه الكومنتاريا لا تكتفي بالتفاعل، بل تُعيد إنتاج الأسئلة، وتُفكك المسلمات، وتُقاوم التبسيط المُفرط، وتُعيد الاعتبار للتعقيد بوصفه ضرورة رمزية.

الكومنتاريا المضادة تُمارَس عبر الورقة، والمنصة، والنقاش، والمبادرة، وهي بذلك تُعيد للمثقف موقعه كمنتج للوعي، لا مجرد نرائع يا دكتور عبد الجليل، إليك الآن صياغة الفصل السادس، الذي يُكمل البناء النظري والتطبيقي للبحث، ويُمهّد للملخص التنفيذي والملحقات المقترحة:

الفصل السادس: نحو إطار تحليلي للكومنتاريا – من الرصد إلى التفعيل

6.1 الحاجة إلى أدوات قياس جديدة

إذا كانت الكومنتاريا تُعرّف بوصفها ممارسة معرفية تُنتج فائضًا من الوعي، فإن رصدها لا يمكن أن يتم عبر أدوات القياس التقليدية التي تعتمد على الكم أو الانتشار فقط. فالتأثير الرمزي لا يُقاس بعدد المتابعين أو مرات النشر، بل بقدرة الفاعل المعرفي على إعادة إنتاج الأسئلة، وتفكيك المسلمات، وتوسيع أفق النقاش العام.

من هنا، تبرز الحاجة إلى أدوات قياس نوعية، تُراعي السياق، وتُفكك العلاقة بين الشكل والمضمون، وتُعيد الاعتبار للعمق التحليلي، لا فقط للانتشار الرقمي.

6.2 مؤشرات أولية لرصد الكومنتاريا

يمكن اقتراح مجموعة من المؤشرات الأولية لرصد الكومنتاريا، منها:

- قدرة الفاعل المعرفي على إنتاج محتوى يُعيد صياغة الأسئلة العامة

- استخدام وسائط متعددة دون فقدان العمق التحليلي

- الانخراط في النقاش العام دون التماهي مع الخطاب السائد

- استدعاء السياق المحلي بوصفه مصدرًا للتحليل، لا مجرد خلفية

- إنتاج معرفة قابلة للتوظيف في التعليم، الإعلام، والسياسات العامة

هذه المؤشرات لا تهدف إلى تصنيف الفاعلين، بل إلى فهم طبيعة الممارسة، وتحديد إمكانات التفعيل، ومواقع التأثير.

6.3 أدوات التفعيل: الورقة، المنصة، الحوار

تُمارَس الكومنتاريا عبر أدوات متعددة، أبرزها:

- الورقة: بوصفها فضاءً للتأمل والتحليل، تُعيد إنتاج المفاهيم، وتُقدّم نماذج قابلة للتطبيق

- المنصة: بوصفها وسيلة للتفاعل والتوزيع، تُعيد تشكيل الذائقة، وتُخاطب جمهورًا متنوعًا

- الحوار: بوصفه أداة للتفكيك والتوسيع، يُعيد الاعتبار للجدل، ويُنتج معرفة جماعية

هذه الأدوات لا تعمل بمعزل عن بعضها، بل تتكامل لتُنتج ممارسة معرفية متعددة الأبعاد، تُعيد للمثقف موقعه كمنتج للوعي، لا مجرد ناقل للمعلومة.

6.4 إمكانات التوظيف في الحقول العامة

يمكن للكومنتاريا أن تُوظَّف في عدة حقول، منها:

- التعليم: عبر إعادة صياغة المناهج لتُراعي السياق، وتُنتج معرفة نقدية

- الإعلام: عبر إنتاج محتوى يُعيد الاعتبار للسردية المحلية، ويُفكك الخطاب الرسمي

- السياسات العامة: عبر تقديم تحليلات تُراعي التعقيد، وتُعيد الاعتبار للمعرفة بوصفها أداة للتخطيط، لا فقط للتبرير

وهكذا، تُصبح الكومنتاريا ممارسة قابلة للتفعيل، لا فقط للتأمل، وتُقدّم للمثقف أدوات جديدة للتأثير، دون أن يفقد استقلاله الرمزي.

***   

الدكتور عبد الجليل حسن البدري

......................

الملاحق

فيما يلي اقترحات لغرض المضي قدماً لانجاز البحث  من خلال صفحتكم الموقرة ان وافقتم على تبنيها مع الشكر .

أولًا المقابلات النوعية – دليل الأسئلة المقترح

الهدف: فهم كيف يُمارس المثقفون أو الفاعلون المعرفيون أدوارهم في مواجهة رأس المال الرمزي والخوارزمي، وهل يعرّفون أنفسهم ضمن ما يمكن تسميته بالكومنتاريا.

الفئات المستهدفة:

- أكاديميون مستقلون

- ناشطون ثقافيون

- إعلاميون نقديون

- فاعلون في المنصات الرقمية

- مفكرون محليون في إفريقيا، أوروبا، أمريكا اللاتينية، آسيا، وأستراليا

الأسئلة المقترحة:

1. كيف تُعرّف دورك المعرفي في مجتمعك؟

2. هل ترى أن المنصة الرقمية غيّرت طبيعة تأثيرك؟ كيف؟

3. هل تشعر أن المعرفة أصبحت سلعة؟ وكيف تتعامل مع هذا التحول؟

4. ما الأدوات التي تستخدمها لإنتاج الوعي؟ وهل تراها فعالة؟

5. هل ترى نفسك جزءًا من طبقة معرفية جديدة؟ كيف تصفها؟

6. ما التحديات التي تواجهها في إيصال خطابك النقدي؟

7. هل تعتقد أن السياق المحلي يمنحك أدوات خاصة؟ أم يقيّدك؟

8. ما رأيك في فكرة "الكومنتاريا" كممارسة معرفية؟ هل تجدها ملهمة أو قابلة للتطبيق؟

ثانيًا: الاستبيان الدولي – صيغة إلكترونية قابلة للتوزيع

عنوان الاستبيان:

"المثقف في عصر الخوارزمية: هل نحن أمام طبقة معرفية جديدة؟"

نوع الأسئلة: مزيج من أسئلة مغلقة (اختيار من متعدد) وأسئلة مفتوحة

محاور الاستبيان:

1. الخلفية العامة (البلد، المجال، نوع النشاط المعرفي)

2. أدوات التأثير المستخدمة (ورقة، منصة، حوار، محتوى رقمي)

3. الموقف من تسليع المعرفة (موافق، متحفظ، رافض)

4. تعريف الذات المعرفية (مثقف تقليدي، فاعل رقمي، كومنتاريا، غير ذلك)

5. تقييم العلاقة مع السلطة الرمزية (مواجهة، تفاعل، حياد، تبعية)

6. رأي في مفهوم الكومنتاريا (مفيد، غامض، قابل للتطبيق، غير مناسب)

7. اقتراحات لتفعيل الكومنتاريا في السياق المحلي

صيغة التوزيع:

يمكن تحويله إلى نموذج Google Form أو Microsoft Forms، مع إمكانية الترجمة إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية حسب المناطق المستهدفة.

ثالثًا: نموذج دعوة للمشاركة

نص مقترح:

تحية طيبة،

نحن بصدد إنجاز بحث فكري حول مفهوم "الكومنتاريا" كممارسة معرفية جديدة تُعيد تعريف موقع المثقف في عصر رأس المال الخوارزمي. نسعى إلى إشراك فاعلين معرفيين من مختلف القارات في هذا المشروع، عبر مقابلات نوعية واستبيان دولي.

نأمل أن تساهموا برأيكم وتجربتكم، دعمًا لحوار عالمي حول المعرفة، السلطة، والمنصة.

يمكنكم المشاركة عبر الرابط التالي:

 [[email protected]]

ولمن يرغب في مقابلة نوعية، نرجو التواصل معنا عبر البريد:

[[email protected]]

مع خالص التقدير،

د. عبد الجليل البدري – امريكا

***

الاستبيان الدولي:

عنوان الاستبيان:

المثقف في عصر الخوارزمية: هل نحن أمام طبقة معرفية جديدة؟

الهدف:

استطلاع آراء الفاعلين المعرفيين حول مفهوم "الكومنتاريا"، وتحولات دور المثقف في ظل رأس المال الخوارزمي.

الأسئلة المقترحة:

القسم الأول: معلومات عامة

1. البلد الذي تقيم فيه

2. المجال الذي تعمل فيه (أكاديمي، إعلامي، ثقافي، رقمي، غير ذلك)

3. هل تعتبر نفسك فاعلًا معرفيًا؟ (نعم / لا / إلى حد ما)

القسم الثاني: أدوات التأثير

4. ما الأدوات التي تستخدمها للتأثير المعرفي؟ (اختر ما ينطبق)

- ورقة بحثية

- منصة رقمية

- محاضرات أو ورش

- محتوى مرئي أو صوتي

- حوارات مباشرة

- غير ذلك: _______

5. هل ترى أن المنصات الرقمية غيّرت طبيعة دورك؟ (نعم / لا / جزئيًا)

6. ما التحديات التي تواجهها في إيصال خطابك النقدي؟ (إجابة مفتوحة)

القسم الثالث: الموقف من المعرفة والسلطة

7. هل ترى أن المعرفة أصبحت سلعة؟ (نعم / لا / لا أعرف)

8. كيف تصف علاقتك بالسلطة الرمزية؟

- مواجهة

- تفاعل نقدي

- حياد

- تبعية مؤسسية

- غير ذلك: _______

القسم الرابع: الكومنتاريا كمفهوم

9. هل سمعت بمصطلح "الكومنتاريا" من قبل؟ (نعم / لا)

10. هل ترى نفسك جزءًا من طبقة معرفية جديدة؟ (نعم / لا / غير متأكد)

11. ما رأيك في مفهوم الكومنتاريا؟

- ملهم وقابل للتطبيق

- غامض ويحتاج توضيح

- غير مناسب للسياق

- غير ذلك: _______

12. ما اقتراحك لتفعيل الكومنتاريا في السياق المحلي؟ (إجابة مفتوحة)

ترجمة الدعوة إلى اللغات المتعددة

English

Invitation t- Participate

We are conducting a global research project on the concept of “Commentaria” as a new intellectual practice in the age of algorithmic power. We invite thinkers, educators, activists, and digital creators from all continents t- share their insights through a short survey and/or interview.

Your voice matters in shaping a new understanding of knowledge, influence, and symbolic resistance.

Survey link: [[email protected]]

For interviews, please contact: [[email protected]]

With appreciation,

Dr. Abduljalil Al-Badri – Iraq

Français

Invitation à participer

Nous menons une recherche internationale sur le concept de « Commentaria » en tant que pratique intellectuelle émergente à l’ère du pouvoir algorithmique. Nous invitons des penseurs, éducateurs, activistes et créateurs numériques de tous les continents à partager leurs perspectives via un court sondage ou une interview.

Votre voix est essentielle pour redéfinir le rôle du savoir et de la résistance symbolique.

Lien du sondage : [[email protected]]

Pour les entretiens : [[email protected]]

Avec nos remerciements,

Dr Abduljalil Al-Badri – Irak

Español

Invitación a participar

Estamos desarrolland- una investigación global sobre el concept- de “Commentaria” com- práctica intelectual emergente en la era del poder algorítmico. Invitamos a pensadores, educadores, activistas y creadores digitales de todos los continentes a compartir sus ideas a través de una breve encuesta - entrevista.

Tu voz es clave para redefinir el papel del conocimient- y la resistencia simbólica.

Enlace de la encuesta: [[email protected]]

Para entrevistas: [[email protected]]

Con aprecio,

Dr. Abduljalil Al-Badri – Irak

Deutsch

Einladung zur Teilnahme

Wir führen ein weltweites Forschungsprojekt zum Konzept der „Commentaria“ als neue intellektuelle Praxis im Zeitalter algorithmischer Macht durch. Wir laden Denker, Pädagogen, Aktivisten und digitale Kreative aus allen Kontinenten ein, ihre Perspektiven durch eine kurze Umfrage oder ein Interview zu teilen.

Ihre Stimme zählt bei der Neudefinition von Wissen, Einfluss und symbolischem Widerstand.

Umfragelink: [[email protected]]

Für Interviews: [[email protected]]

Mit Dank,

Dr. Abduljalil Al-Badri – Irak

في المثقف اليوم