قراءات نقدية

عدنان عويّد: أهميّة الرمز والقناع في الأدب.. الشعر أنموذجاً (2)

المبحث الثاني: عبد القاهر الجرجاني رائد الأسلوبية العربية

عبد القاهر الجرجاني (-471هـ) واحد من أشهر الرموز الأدبية في القرن الخامس الهجري، وهو فقيه شافعي، ومتكلّم أشعري(69)، وقـّف حياته من أجل العلم والتعلم، وأنفق فيها عصارة ذهنه وخلاصة ثقافته، ألف كثيرا من الكتب، و(صنّف التصانيف الجليلة)(70)؛ في النحو، والصرف والعروض، والبلاغة، والنقد، والدراسات القرآنية، بيد إن شهرته ذاعت، وانتشر صيته من خلال كتابيه (دلائل الإعجاز)، و(أسرار البلاغة) الذين يمثلان دور الاكتمال في ثقافته عبد القاهر، وتفكيره الخلّاق.

كان الباعث لتأليف (دلائل الإعجاز) قضية مهمة شغلت بال الكثيرين من علماء عصره بل وقبل عصره، قضية إعجاز القرآن، ولكي يعرض إلى هذه القضية وجد نفسه قد تطرق إلى الكثير من القضايا النقدية، ووقف أمام كمّ هائل من النصوص الأدبية يحللها تحليلا أدبيا فنيا رائعا. نحويا وبلاغيا، بل ونقديا لذلك كان من الحق أن يعده كثير من الباحثين رائدا للأسلوبية الحديثة، ومؤسسا لأصولها.

"لقد خرج عبد القاهر بالنحو العربي من دائرته المغلقة، ذلك إن معياريّة العربيّة الفصحى في القضايا الصوتية، والصرفية، والتركيبية (النحوية) أمر مقرر يحفظ لها ديمومتها، وشرط التواصل بين القديم وما يستحدث في الآماد المتلاحقة، ولكن الباب الذي وجّه إليه في (دلائل الإعجاز) هو الدرس التطبيقي التحليلي للكلام العربي، فالتراكيب تدرس حالاته النحوية: الترتيبية في التقديم والتأخير، والتوليدية بين البسائط من الجمل والمركبات والنظر في العناصر المضافة ودورها وما يذكر وما يحذف، والتكوينية في التعريف والتنكير، وفي التقرير والإثبات من طرف، والإنشاء بضروبه من طرف آخر"(71). كما درس الصورة الفنية وجمالياتها، والتركيب اللغوي وجمالياته، وبحث عن القيمة المرتبطة باحتمالات بناء الجملة، وتوزع الأدوار بين أجزائها في نقل المواقف والإيحاءات، فالقدرة التعبيرية المميزة تعطي النص لمحة صافية تخلق التواصل، فيسهم في تحقيق البعد الجمالي إفادة ومتعة على درجات بحسب سياق النص، وقدرته التأثيرية. إن دراسة عبد القاهر تتحول إلى دراسة أسلوبية تبحث عن مواطن الإبداع، وتحدد للأديب سمة تفرّده، وخصائص أسلوبه الذي يميزه عن غيره، ويحكم له بالتفرد.

يقول: إعلم أن الكلام هو الذي يعطي العلوم منازلها ويبين مراتبها، ويكشف عن صورها، ويجني صنوف ثمرها، ويدل على سرائرها، ويبرز مكنون ضمائرها، وبه أبان الله الإنسان من سائر الحيوان، قال الله تعالى: الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان.). (سورة الرحمن 1-4)،

لقد تصدى عبد القاهر الجرجاني للكثير من القضايا التي شغلت الفكر المعاصر وأدعى فيها بعضهم السبق والريادة، ممهدا بذلك لدراسة منهجية جديدة تعتمد الذوق والجمال في تناول النصوص الإبداعيّة، وتحليلها تحليلا ينسجم مع النظرة الموضوعية في التعامل مع الأفكار التي تحملها النصوص، ومن أبرز تلك القضايا (قضية اللغة والكلام) تلك القضية التي شغلت بال المعاصرين حتى نُصّب (دي سوسير) علما عليها، وتتلخص في الفروق الدقيقة التي تميز بين المصطلحين، وبيان العلاقة الذهنية والنفسية في حركة الدلالة اللغوية، وإقامة الروابط بين الألفاظ أصواتا وكتابة، وانطباعاتها التصورية، ووقائعها المادية، ومنعكساتها المجردة، فاللغة عند سوسير "عنصر محدد مستخلص من خصائص لغوية متغايرة الخواص عموما إنه النظام الذي أسسه نوع من الاتفاق بين أعضاء المجتمع الذي وحده يجعل الأمر ممكنا في فهم بعضهم بعضا.."(72)، بمعنى إن الكلام يكون أوسع من اللغة من حيث اختصاص اللغة بفئة معينة تربط بينهم روابط محددة على نحو ما ذكرناه في المبحث الأول.

والواقع إن كلام سوسير هذا لم يكون إلا ترديدا للقضية التي تناولها عبد القاهر الجرجاني من قبل بالدرس والتحليل، ووقف عندها في أكثر من موضع في كتابه (دلائل الإعجاز) حين ميز بين اللغة والكلام تمييزا دقيقا موضحا الفروق الأساسية بينهما، فذكر إن اللغة مختصة بالكلمات المفردة ومعانيها"(73)، وإن العلم بهذه المعاني "لا يعدو أن يكون علما باللغة، وبأنفس الكلم المفردة، وبما طريقه الحفظ دون ما يستعان عليه بالنظر، ويوصل إليه بإعمال الفكر"(74)، وإن "الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها، ولكن لأن يضمّ بعضها إلى بعض"(75)، وأشار إلى أن الكلام هو وسيلة الإنسان في التعبير عن أغراضه ومقاصده، قال: (وجملة الأمر، إن الخبر وجميع الكلام معانٍ ينشئها الإنسان في نفسه، ويصرفها في فكره، ويناجي به قلبه، ويراجع فيها عقله، وتوصف بأنها مقاصد وأغراض...)(76)، ولعله انطلق في هذا من مسلمة أساسية مفادها إن اللغة مشتركة بين أصحابها، فلا يقع في ألفاظها تمايز بينهم، وإنما يقع في الكلام ونظمه، أي الأسلوب.

ومثلما تطرق عبد القاهر إلى الفروق بين اللغة والكلام تطرق إلى العلاقة الذهنية النفسية في عملية الصياغة الأدبية ورأى إن المتكلم يصير الكلمات في نفسه، ويقلبها في عقله قبل أن يصدرها إلى المتلقي، قال: "وإذ كان لا يكون في الكلم نظم ولا ترتيب إلا بأن يصنع بها هذا الصنيع ونحوه وكان ذلك كله مما لا يرجع منه إلى اللفظ شيء ومما لا يتصور أن يكون فيه ومن صفته بان ذلك الأمر على ما قلناه من ان اللفظ تبع للمعنى في النظم، وإن الكلم تترتب في النطق بسبب ترتب معانيها في النفس وإنها لو خلت من معانيها حتى تتجرد أصواتا وأصداء حروف لما وقع في ضمير، ولا هجس في خاطر أن يجب فيها ترتيب ونظم..."(77)، وهذه نظرة ثاقبة من إنسان كرس حياته من أجل العلم، والتعلم، مما يجعلنا على يقين بأصالة الفكرة الأسلوبية بزيها العربي.

إن اللغة مادة النص الأدبي، وهي الأساس التي يستند إليه في تحقيق التعبير، ومن هنا فأن مهمة المبدع – شاعرا كان أم ناثرا- تكمن في أن يصير من هذه اللغة سمات تهدف إلى الكشف عن العلاقات التي تربط بين الظواهر والأشياء، وصولا إلى تحقيق النص وظيفته التعبيرية، مرورا بالتعامل الدقيق مع معاني الكلم حيث تناسقت دلالتها في هيئات يجري فيها الكلام في وجوه كثيرة من تقديم وتأخير، وتعريف وتنكير، وذكر وحذف، وما أشبه ذلك(78)، وحينما يسعى الباحث إلى تجاوز الفهم والإبلاغ فإنه يجعل من مواصفات اللغة سمات وإشارات الكشف عن العلاقات العقلية التي تكفل له خصائصه الفنية وقد تكون هذه العلاقات حقيقية وقد تكون مبتدعة يتصورها الشاعر في أوهامه، ويتخيلها في حياته منتزعة من تجربته النفسية.

وعلى هذا فانّ هناك نوعين من الدلالة:

دلالة تعبيرية ذات قيمة مفهومية.

دلالة مبتدعة من خيال الشاعر وبيئته(79).

وفي رحاب هاتين الدلالتين نكتشف مغرس الإبداع، ومنبع الخلق الأدبي، وقيمة الصورة الفنية، وتلك السمات هي العناصر المؤثرة عند (شارل بالي) التي تهدف إلى الكشف عن قيمة النص، وتفرد الأديب، وإنها ما يتجاوز بها دائرة اللغة (80) وهذه القضية من بنات أفكار عبد القاهر إذ أشار إلى ذلك من قبل فقال "ينبغي أن ننظر إلى المتكلم – هل يستطيع أن يزيد من عند نفسه في اللفظ شيئا ليس هو في اللغة حتى يجعل ذلك من صنيعة..."(81)، وهذا يعني إن دراسة الأسلوب تتطلب أن نبحث في اللغة عما ليس بلغوي وهو الزيادة المؤثرة فيه ومع إن هذه الفكرة قد رسخت في فكر عبد القاهر الجرجاني – منذ القدم-، نجد كثيرا من المحدثين يضيقون ذرعا بمصطلحات التراث العربي، ويؤثرون مصطلحات جديدة تتوافق – بحسب رأيهم – مع متطلبات الحداثة والمعاصرة، ومن تلك المصطلحات (تراسل الحواس) التي جاءت به المدرسة الرمزية، وتعني به وصف مدركات كل حاسة من الحواس بصفات مدركات الحاسة الأخرى، ومن ثم (الخلط بين وظائف ومعطيات الحواس الخمس وتداخلها)(82)، من أجل "خلق جو غامض يوحي بأحاسيسهم وأحلامهم، ورؤاهم الغامضة"(83)، ومن أمثلته عندهم قول مالا راميه في قصيدة (البعث):

إن شفقا أبيض يبرد تحت جمجمتي

التي تعصبها حلقة من الحديد وكأنها قبر قديم

وأهيم حزنا خلف حلم غامض جميل.

خلال الحقول التي يزدهر فيها عصير لا نهاية. (83)

ولعل هذه الفكرة هي ما أشار إليها بلاغيونا ونقادنا القدامى، حينما وقفوا على نصوص ذاب منشؤوها في أحضان الطبيعة وما فيها من رياض وأزهار وأشجار مثمرة، ومن الأمثلة التي طرقها عبد القاهر قول الشاعر:

عسل الأخلاق إذا ما ياسرته     فإذا عاسرته زقت السلعا

علق عليه عبد القاهر:

"إنما المعنى إنك تجد منه في حالة الرضا والموافقة ما يملؤك سرورا وبهجة حسب ما يجد ذائق العسل من لذة الحلاوة"(85) واصطلح عليه بـ(التشبيه العقلي)(86)، في حين يعده أصحاب المدرسة الرمزية من تراسل الحواس.

وثمة نظرة أخرى جاء بها المحدثون تتعلق بالاستعارة، إذ قال عدد منهم إن الاستعارة تكمن في خلق فجوة بين "كونين تصوريين ولغويين"(87)، وإنه لا بد إن ينقل المعنى الاستعاري من معنى آخر يرتبطان بصلة معينة، أو مثلما يقول (ماكس بلاك) إن الفجوة في النظريات الحديثة للاستعارة تتعلق بـ(الابتكار الملائم لهذه النقلة)(88)، وتتشعب المصطلحات عندهم فتارة هي (مسافة التوتر)، وأخرى (التنافر الدلالي)، وتارة ثالثة (الانفصام الإشاري)(89) وهي كلها تتعلق بالنظرة الحديثة للمفهوم الاستعاري. ولعل هذه النظرة كلها موجودة في كتابات عبد القاهر الجرجاني حين حد الاستعارة بقوله: "أن يكون للفظ أصل في الوضع اللغوي معروف تدل الشواهد على إنه اختص به حين وضع ثم يستهله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك الأصل وينقله إليه نقلا غير لازم فيكون هناك كالعارية..."(90)، وقال: "وإما المجاز [والاستعارة منه] فكل كلمة أريد بها غير ما وضعت له في وضع واضع لملاحظة بين الثاني والأول)(91).

ومن القضايا الهامة التي تناولها المحدثون قضية اللفظ والمعنى، أو الشكل والمضمون وجدلية العلاقة بينهما، ففي حين قصر بعضهم الأسلوب على الشكل كما هو الحال عند الشكلانيين الروس مثلا، اختلط الأمر على غيرهم، فـ(كراهام هاف) مثلا يصرح: "إن كلا من طبيعة هذه القضية، ومحدودية معرفتي تقف حائلا دون الاستمرار في مناقشة هذه المسألة"(92)، بيد أنه يرى إمكانية إنقاذ مفهوم الأسلوب بوساطة ثلاث طرق: "...

1- لا حاجة لإثبات وجود شيء اسمه الأسلوب، بل يكفي اصطلاح طبيعي ومناسب للاستعمال وإن الجميع يعرف عمليا عما يدور الحديث.

2- يمكن للناقد أن يذكر مبدأ إن التعابير المختلفة شكلا تختلف في المعنى دوما كما فعل آي. أ. ريجاردز في كتابه (التفسير في التعليم)، وقد يحتاج ذلك شيئا من البراعة في إبداء الآراء ولكنه من الممكن ترسيخ الموضوع بما يناسب الأغراض الأدبية.

3- ويمكن للناقد أن يتقبل هذا المبدأ على إن اختلاف الشكل هو دائما اختلاف المعنى، ولكنه يستطيع مع ذلك إنكار مبدأ اختلاف الأسلوب، فهو لم يختلف وإنما أصبح مصنفا ضمن المعنى. إن الأسلوب جزء من المعنى ولكنه جزء يمكن أن يناقش بصورة مناسبة وبدرجة معقولة"(93).

ومن هنا يتضح قصور الأسلوبين في تصور مفهوم الأسلوب، في الشكل كان أم في المعنى، حتى حدا ببعضهم إلى الدعوة لإلغائه أو أن يصبح (بناء افتراضيا عديم الفائدة)(94).

إن الأسلوبيين المعاصرين يدركون أهمية الأسلوب في عملية الصياغة الأدبية ولكنهم ينكرون استقلاليته عن المعنى، أو يعدونه بناءً افتراضيا لا يمت إلى الواقع بصلة، وهم مخطئون في كلا الحالتين، وإنما هو على ما انتهى إليه عبد القاهر الجرجاني حين رأى ان الأسلوب يتمثل في الصورة الناشئة عن ائتلاف اللفظ والمعنى معا، وعدّ (الأسلوب) عنصرا ثالثا بجنبهما، قال: "وذلك إنهم لما جهلوا شأن الصورة، وضعوا لأنفسهم أساسا وبنوا على قاعدة، فقالوا: إنه ليس إلا اللفظ والمعنى ولا ثالث، وإنه إذا كان كذلك وجب إذا كان لأحد الكلامين فضيلة لا تكون للآخر، ثم كان الغرض من أحدهما هو الغرض من صاحبه أن يكون مرجع تلك الفضيلة إلى اللفظ خاصة، وأن لا يكون لها مرجع إلى المعنى من حيث إن ذلك زعموا يؤدي إلى التناقض، وأن يكون معناها متغايرا وغير متغاير معا..."(95)، وقال: "ومعلوم أن سبيل الكلام سبيل التصوير والصياغة..."(96)، ومعنى ذلك إن عبد القاهر يجعل الكلام مبنيا على ثلاثة عناصر رئيسة:

-  اللفظ، ويعني به الإطار الخارجي للنص.

-  المعنى، ويعني به ما تشير إليه ألفاظ النص.

-  الأسلوب، ويعني به الائتلاف الحاصل بين اللفظ والمعنى (الصورة).

وقد عرض لذلك عدة أمثلة نورد منها هذين المثالين:

قال أبو تمام: [من الكامل].

الصبح مشهور بغير دلائل من غيره ابتغيت ولا أعلامِ

وقال المتنبي: [من الكامل]

وليس يصّح في الأذهان شيء       إذا احتاج النهار إلى دليلِ

علق عبد القاهر الجرجاني عليهما، فقال: "فأنت ترى أحد الشاعرين فيه قد أتى بالمعنى غفلا ساذجاً، وترى الآخر في صورة ترق وتعجب"(97)، فالمعنيان يكادان أن يكونا متشابهين إلى حد ما، ولكن طريقة الصياغة حكمت للمتنبي بالجودة، وحكمت للآخر بالرداءة، وهذا شأن الأسلوب.

وبحسب هذه الفكرة فإن الإبداع الأدبي يتحقق من خلال اجتماع اللفظ والمعنى والأسلوب معا وكما موضح في الخطاطة الآتية

اللفظç المعنى ç الأسلوب ç الإبداع الأدبي

وهذا يتيح لنا القول إن الصورة الفنية التي أسهب في تناولها المحدثون إنما تتعلق بدراسة الأسلوب وطبيعته، ويبدو هذا واضحا في كثير من الدراسات التي تناولت الصورة الفنية منها (الصورة الفنية معيارا نقديا) للدكتور عبد الإله الصائغ، إذ جعل الفصل الخامس، دراسة (الصورة الفنية من خلال الأسلوب)(98)، و(الصورة الفنية في المثل القرآني) للدكتور محمد حسين علي الصغير الذي قدّم بعدا تطبيقيا لعناصر الصورة في القرآن الكريم(99). ولتأكيد هذا القول نتابع كلام عبد القاهر الجرجاني في دلائله والذي يرى فيه إن الصورة هي مزية بالمتكلم في إخراج المعنى، قال عبد القاهر:

"... وان اعترف بأن ذلك يكون قلنا له: أخبرنا عنك أتقول في قوله:

وتأبى الطباع على الناقلِ إنه غاية في الفصاحة؟ فإذا قال نعم، قيل له: أو كان ذلك عندك من أجل حروفه ام من أجل حسن ومزية حصلا في المعنى، فإن قال من أجل حروفه، دخل في الهذيان، وإن قال من أجل حسن ومزية حصلا في المعنى قيل له: فذاك ما أردناك عليه حين قلنا إن اللفظ يكون فصيحا من أجل مزية تقع في معناه لا من أجل جرسه وصداه)(100)، ويوضح إن إخراج المعنى في صورة هو مزية بالمتكلم نفسه قال: (قد علمنا علما لا

وتمام قوله في الصورة: "وأعلم إن قولنا (الصورة) إنما هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا، فلما رأينا البينونة بين آحاد الأجناس تكون من جهة الصورة فكان بين إنسان من إنسان، وفرس من فرس بخصوصية تكون في صورة هذا لا تكون في صورة ذاك"(102)

وقد نتج عن ذلك اننا نرى المعنى الواحد في صورتين مختلفتين، وكما في قول أبي تمام: [من الطويل]

إذا سيفه أضحى على الهام حاكما

غدا العفو منه وهو في السيف حاكمُ

وقول المتنبي: [من الطويل]

له من كريم الطبع في الحرب منتض

ومن عادةِ الإحسان والصفّح غامدُ

علق عليها عبد القاهر فقال:

"فانظر الآن نظر من نفى الغفلة عن نفسه فانك ترى عيانا إن للمعنى في كل واحد من البيتين من جميع ذلك صورة وصفة غير صورته وصفته في البيت الآخر وإن العلماء لم يريدوا حيث قالوا: (إن المعنى في هذا المعنى في ذاك، إن الذي تعقل من هذا لا يخالف الذي تعقل من ذاك، وإن المعنى عائد عليك في البيت الثاني على هيئته وصفته التي كان عليها في البيت الأول، وان لا فرق ولا فصل ولا تباين بوجه من الوجوه، وإن حكم البيتين مثلا حكم الاسمين قد وضعا في اللغة لشيء واحد كالليث والأسد، ولكن قالوا ذلك على حسب ما يقوله العقلاء في الشيئين يجمعهما جنس واحد، ثم يفترقان بخواص ومزايا وصفات كالخاتم والخاتم، والشنف والشنف، والسوار والسوار، وسائر أصناف الحلي التي يجمعها جنس واحد ثم يكون بينها الاختلاف الشديد في الصنعة والعمل."(103)

وهكذا فالذي نجده في أقوال عبد القاهر الجرجاني، وما يثار اليوم في الدراسات الأدبية يجعلنا نقول: إن كل الدراسات اليوم في ميدان الصورة الفنية بمجالها التطبيقي هي دراسات أسلوبية، وإن (الصورة التي تحصل في الذهن)، و(الرسم المكتوب بالكلمات) وجهان لعملة واحدة، قال د. زكي مبارك: "الصورة الشعرية هي أثر الشاعر المفلق الذي يصف المرئيات وصفا يجعل القارئ ما يدري أيقرأ قصيدة مسطورة ام يشاهد منظرا من مناظر الوجود، والذي يصف الوجدانيات وصفا يخيل للقارئ إنه يناجي نفسه لأنه يقرأ قطعة لشاعر"(104).

وتبعا لهذا الكلام فقد ركز بعض الأسلوبيين على قضية السياق، ودوره في تحقيق الإبداع الأدبي، وأفردوا لـه منهجا خاصا سموه (أسلوبية السياق)(105)، ونصبوا ميكائيل ريفاتير علما عليها، وسنتابع هذا الموضوع مع ما كتبه (كراهام هاف) حيث قال:

"إن الوحدة العضوية للعمل الأدبي ليست شيئا جاهزا، وليست حجرا كريما صافيا ملقى في الطبيعة هملا، إنما هي شيء منجز، ويمكن الوصول إلى هذا الكل العضوي بطرق متنوعة، فقد يكون أحيانا في فكر الشاعر الغنائي وزن شعري قبل معرفته بالكلمات التي توافق ذلك الإيقاع... تتضمن أغلب الكتابة عملية تنقيح تتم أما على الورق أو في الذهن قبل تدوين أي شيء، وثمة شاهد إن الكتاب المختلفين ينظرون إلى هذه العملية من التنقيح في ضوء مختلف، فيراها بعضهم على أنها تجسيد للمعنى المتصور سلفا بصورة أكثر دقة، ويراها بعضهم على إنها تغيّر مستمر وتحوير في المعنى نفسه، ومن الأفضل في كلتا الحالتين للناقد أن يولي المسألة نظرة مستقبلية، فالعلم الأدبي مشروع إذا كمل فإن النتيجة تكون وحدة كاملة ومتكونة من عناصر لغوية نعرفها نحن أيضا في ارتباطات أخرى، لذلك يمكننا بعملية تجريد أن ندركها بشكل منفصل ونناقشها باعتبارها مكونات لهذه الوحدة الكاملة. وإن الكلمة السحرية في بيت سحري معين قد تكون خاملة تماما في جملة مختلفة، وإن التركيب غير البارع في سياق من السياقات قد يكون له تأثير فعال في سياق آخر، ودراسة الأسلوب تهتم بمثل هذه الظواهر مهما كانت فلسفتنا للمعنى، ومهما كانت نظريتنا في سيكولوجية العملية الخلاقة."(106). ولعل هذه الفكرة واحدة من الأسس الرئيسة التي أقام عليها الجرجاني نظريته في النظم فقال:

"...، وإذا كان هذا كذلك فينبغي أن ينظر إلى الكلمة قبل دخولها في التأليف وقبل أن تصير إلى الصورة التي بها يكون الكلم أخبارا وأمرا ونهيا واستخبارا وتعجبا، وتؤدي في الجملة معنى من المعاني التي لا سبيل إلى إفادتها إلا بضم كلمة إلى كلمة، وبناء لفظة على لفظة..."(107)، وذهب عبد القاهر أبعد من ذلك حينما قال: "وهل تجد أحد يقول: هذه اللفظة فصيحة إلا وهو يعتبر مكانها من النظم، وحسن ملاءمة معناها لمعنى جاراتها، وفضل مؤانستها لأخواتها"(108)، إلى أن انتهى إلى القول: "فقد اتضح إذن اتضاحا لا يدع الشك إن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة، وإن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ، ومما يشهد لذلك إنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع ثم تراها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر، كلفظ الأخدع في بيت الحماسة:

[من الطويل]

تَلَفَتُّ نحو الحي حتى وجدتني

وجعت من الاصغاء ليتا وأخدعا

وبيت البحتري: [من الطويل]

وإني وإن بلّغتني شرف الغنى

وأعتقت من رق المطامع أخدعي

فإن لها في هذين المكانين ما لا يخفى من الحسن، ثم إنك تتأملها في بيت أبي تمام: [من الطويل]

يا دهر قوّم من أخدعيك فقد     أضججت هذا الأنام من خرقك

تجد لها من الثقل على النفس، ومن التنغيص والتكدير أضعاف ما وجدت هناك من الروح والخفة"(109)، وما ذلك إلا لسياقات ورودها المختلفة التي جعلت إحداهما جميلة والأخرى قبيحة مستهجنة.

يتضح من كل ما سبق أصالة الفكرة الأسلوبية، ومنحاها التطبيقي في فكر عبد القاهر الجرجاني، وبالتالي أصالة تراثنا الحضاري والفكري الذي ظل متوارثا عبر الأجيال، وهو بحاجة – اليوم – إلى البعث من جديد لاستلهامه فيكون لدينا ما يسمى (المنهج الأسلوبي العربي) بصفته الأصيلة، ومنابعه الخلاقة.

نماذج من تحليلاته:

(1) قال عبد القاهر في التعليق على الآية الكريمة:

(وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) (هود /44)

"... أنك لم تجد ما وجدت من المزيّة الظاهرة، والفضيلة القاهرة إلا لأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض، وإن لم يعرض لها الحسن والشرف إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية والثالثة والرابعة وهكذا إلى أن تستقريها إلى آخرها، وإن الفضل تناتج ما بينها، وحصل من مجموعها، إن شككت فتأمل! هل ترى لفظة منها بحيث لو أخذت من بين أخواتها، وأفردت لأدت من الفصاحة ما تؤديه وهي في مكانها من الآية؟ قل (ابلعي) واعتبرها وحدها من غير أن تنظر إلى ما قبلها وإلى ما بعدها، وكذلك فاعتبر سائر ما يليها، وكيف بالشك في ذلك، ومعلوم إن مبدأ العظمة في إن نوديت الأرض، ثم أُمرت، ثم في أن كان النداء بـ(يا) دون (أيْ) نحو يا أيتها الأرض، ثم إضافة الماء إلى الكاف دون أن يقال ابلعي الماء، ثم أن اتبع نداء الأرض وأمرها بما هو في شأنها، ونداء السماء وأمرها كذلك بما يخصها ثم قيل (وغيض الماء) فجاء الفعل على صيغة (فُعِلَ) الدالة على إنه لم يغض إلا بأمر آمر، وقدرة قادر، ثم تأكيد ذلك وتقريره بقوله تعالى (وقضي الأمر) ثم ذكر ما فائدة هذه الأمور وهو (استوت على الجودي) ثم إضمار السفينة قبل الذكر كما هو شرط الفخامة والدلالة على عظم الشأن، ثم مقابلة (قيل) في الخاتمة بـ(قيل) في الفاتحة، أفترى لشيء من هذه الخصائص التي تملؤك بالإعجاز روعة، وتحضرك عند تصوّرك هيبة تحيط بالنفس من أقطارها تعلقا باللفظ من حيث هو صوت مسموع وحروف تتوالى في النطق؟ أم كل ذلك لما بين معاني الألفاظ من الاتساق العجيب"(110).

(2) قال عبد القاهر في التعليق على بيت أمرئ القيس:

فقلت له لمّا تمطّى بصلبه     وأردف إعجازا وناءَ بكلكلِ

"لما جعل لليل صلبا قد تمطّى بصلبه به ثنّى ذلك فجعل له إعجازا قد أردف لها الصلب وثلّث فجعل له كلكلا قد ناء به، فاستوفى له جملة أركان الشخص، وراعى ما يراه الناظر في سواده إذا نظر قدّامه، وإذا نظر إلى ما خلفه، وإذا رفع بصره، ومدده في عرض الجو."(111)

(3) قال عبد القاهر:

"وان أردت أعجب من ذلك فيما ذكرت لك فانظر إلى قوله

سالت عليه شعاب الحي حين دعا أنصاره بوجوه كالدنانير

فإنك ترى هذه الاستعارة على لطفها وغرابتها إنما تم لها الحسن وانتهى إلى حيث انتهى بما توخي في وضع الكلام من التقديم والتأخير وتجدها قد ملحت ولطفت بمعاونة ذلك ومؤازرته لها، وإن شككت فاعمد إلى الجارين والظرف فأزل كلّا منها عن مكانه الذي وضعه الشاعر فيه فقل: سالت شعاب الحي بوجوه كالدنانير عليه حين دعا أنصاره، ثم انظر كيف يكون الحال وكيف يذهب الحسن والحلاوة، وكيف تقدم أريحيتك التي كانت وكيف تذهب النشوة التي كنت تجدها..."(112).

المبحث الثالث: نحو منهج أسلوبي عربي

لقد عرفت امتنا العربية بأنها أمّة البيان، ووصف علماؤها بأنهم أئمة اللسان، ولو تقاسم العالم التراث الإنساني، لكان الفن القولي من تراث هذه الأمة، والموروث البلاغي من نصيبها، لهذا نزل القرآن الكريم بلسانها، أنزل بلسان عربي مبين، ومن ثم كان إعجازه البياني أرقى مراتب الإعجاز، وأولاها بالخصوصية، ولعل أعمق المعجزات أثرا ما وافق طبيعة العصر، وأعلاها منزلة ما واكب متطلبات الحياة، ولقد جبل العربي على حب الكلمة، وتوخي عذوبة الألفاظ، حتى شاعت أسواق العرب الأدبية في عكاظ ومجنة وذي المجاز، فكانت هذه الأسواق ميدانا رحبا تفصح عما تجود به قريحة الشعراء، وتواكب ذائقتهم الأدبية.

واليوم يتعرض هذا التراث إلى حرب ضروس لا هوادة فيها ولا رحمة، وتتشكل كل يوم في شكل، وتتخذ من ثياب الحداثة لبوسا، وتجعل من الذين استهوتهم ثقافة الغرب جندا، فراح الناس يقلّدونهم’ ويمشون في مواكبهم، متخذين من الحداثة والمعاصرة حججا تظللهم، وراحوا يحقرون من ثقافة العرب بنأيهم عنها، ناسين –بل متناسين- تراثهم الضخم، وحضارتهم التليدة.

لقد طرحت النظريات اللسانية الحديثة فرضيات جديدة لدراسة النص الأدبي، فاستهوت هذه النظريات أفئدة كثير من الباحثين العرب فراحوا يقلدونها فأساءوا التقليد، وذهبوا يجرّبونها فأخطأوا التجريب، ودعوتهم في ذلك إن الغربيين قد فاقوا العرب في كل شيء، وهب ان ذلك صحيح في ميادين العم والتكنولوجيا، لكنّ تراثنا أصيل، وما وصل إلينا من ذلك التراث يجعلنا نطمئن إلى مناهجنا القويمة التي ترسم الطريق لدراسة النصوص الأدبية دراسة أسلوبية تذوقية وجمالية في آن معا، نعم لا بأس من الإفادة من هذه النظريات الحديثة لكنها يجب أن لا تكون أساس الدراسات الأدبية عامة والأسلوبية خاصة، ولنحاول أن نجعلها مكمّلة لموروثنا القديم بما لا يتعارض مع مصطلحات ذلك الموروث ومفاهيمه الأساسية.

لقد حاول هذا البحث أن يسلّط الضوء على واحد من المفاهيم التي طرحتها النظريات الحديثة، الأسلوبية، ذلك المنهج الذي انتشرت مفاهيمه الغربية في أوساطنا الأدبية بحجة أنه الوريث البديل للبلاغة العربية، فجاء هذا البحث ليزيل الغبار عن أصوله، وطروحاته الفكرية التي يراها الباحث متجسدة في الطروحات العربية الأصيلة بثياب الحداثة والمعاصرة.

ويحاول الباحث هنا تسجيل نقاط يراها ضرورية:

الأولى: إن المنهج الأسلوبي الحديث لا يزال قاصرا عن إعطاء النصوص الأدبية وجهتها الحقيقة، ذلك لأنه ينطلق من فرضية أساسها النص وحده متجردا عما يحيط بمنشئه من ظروف تسهم في خلق أسلوبه من جهة، وطبيعة المتلقي من جهة ثانية. ويتجلى هذا القصور في كون العملية الإبداعية عامة، والشعرية خاصة تنبني على ثلاثة محاور رئيسة هي:

-  منشئ النص (المتكلم)

-  النص (الرسالة)

-  المستقبل (المتلقي)

والباحث يفترض إن هناك صلة وثيقة بين هذه الأطراف الثلاثة، وإن إغفال أي واحد منها يؤدي إلى الخلل في الدراسة. فمن حيث المنشئ، فهو إنسان يخضع للكثير من العوامل التي تحدث أثرها في أسلوبه شعريا كان أم نثريا، ولعل أول هذه العوامل نفسه، فالنص الأدبي "يستمد قيمته الفنية من طريقة صياغته، وائتلاف مكوناته، وظرفه بعد أن يمّر بظرف الأديب، وانفعلاته الوجدانية، وما يجيش في صدره من عواطف، فيشحذ رهافة مكوناته التعبيرية ليفيد من خصائصها الإيحائية فتؤدي أقصى ما لديها من طاقات ذلك إن "الجمال في الأسلوب مصدره السمو في التعبير، وهو صفة نفسية تصدر عن خيال الأديب وذوقه"(113). والواقع إن مسألة الإحساس لصيقة بالنفس الإنسانية منذ القدم، ولا يستطيع أي إنسان أن يتحرر من أحاسيسه في التعبير عن مكنونات نفسه، بما ينعكس ذلك كله على نتاجه الإبداعي.

وتبعا لاختلاف المواقف التي تحدو بالأديب إلى إنشاء النص فإن ذلك كله يؤثر في طبيعة الأسلوب المصاغ، فشاعر معين حينما يكتب في الغزل، فإن أسلوبه – بطبيعة الحال- يختلف عن الكتابة في الرثاء أو الهجاء أو المدح، فلكلٍ أسلوبه الخاص به على نحو ما أشار إلى ذلك القدماء كما أثبتناه في المبحث الأول.

ثم أن أثر العصر عامل آخر يسهم في تشكيل الأسلوب، فشاعر كحسان بن ثابت كان قد علا شعره في الجاهلية فلما أسلم لان ومال نحو السهولة والسلاسة(114)، وما ذلك إلا للأجواء الجديدة التي اصطبغت بها مظاهر الحياة بعد ظهور الدين الإسلامي، لذلك فإن فرضية إهمال (منشئ النص) وما يحيط به، والاقتصار على النص وحده مجردا عما حوله هو أمر تعوزه الدقة وربما لا يمكن الحكم بصحته بتاتا.

أما من حيث المتلقي فإن للشاعر أن يختار أسلوبه الملائم لطبيعة المتلقي، فالألفاظ التي يُخاطَب بها أهل المدينة هي غيرها التي يخاطب أهل الريف، ولدا فإن مخاطبة الطبقة المثقفة هي غيرها للطبقة العامّة وهذا يتطلب أن يكون لكل طبقة أٍسلوب خاص يخاطبها بها الشاعر.

الثانية: وإذا كان لابد من مراعاة متطلبات الحداثة، وما تدعو إليه الأفكار المعاصرة فإن الباحث يرى ان ما جاء به المتأخرون عن عصر عبد القاهر الجرجاني كأبي يعقوب السكاكي والخطيب القزويني وغيرهما من مفاهيم حينما حصرت أبحاث البلاغة في المعاني والبيان والبديع، وضروب تقسيماتها الجافة) وأقحمت فيها كثير من أبحاث لا علاقة لها بالغرض الأدبي، وضيّقت دائرتها الفنية، وأفاضت عليها جمودا وجفافا أعجزها عن أن تترك أثرا أدبيا في ذوق دارسها.)(115).

إذن لا ضير أن نتحرر من هذه التقسيمات الجافة التي علقت بهذا الفن الجميل، ولا مناص من تصفية ما لحق به من تعقيد، بحركة من التجديد الأدبي تعنى بالفن القولي من دون هذه التقسيمات المملّة، وهذا الإقحام في الفلسفة والمنطق، وهذا التجديد سبيل إلى إعادة الحق لنصابه، وقطع دابر الخصام المفتعل بين التراث والحداثة.

وكخطوات عملية لهذا التجديد يرى الباحث:

‌أ-إعادة قراءة تراثنا العربي قراءة متأنية وواعية لنأخذ منه الأصول الأساسية فنفيد منها في تحليلاتنا الأسلوبية، ولتكون دليلا على أصالة مكوناتها الفكرية فتحقق بذلك السبق والريادة على ما تطرحه النظريات الحديثة من مناهج وأفكار.

‌ب- ن نؤكد على دراسة العلاقة بين الألفاظ والمعاني على نحو يفضي بنا إلى دراسة الصور الفنية بوصفها امتدادا لهما كما هي عند عبد القاهر على نحو ما تناولناه فلا فضل للفظ على معنى ولا العكس إلا بمقدار تآلفهما، وقدرتهما على رسم الصورة الفنية، وبمعنى ثانٍ إن دراسة الصورة الفنية الأساس لمعرفة النص وسر جماله، ومقدار إبداع منشئه من دون الخوض بالتقسيمات التي أنهك البلاغيون أنفسهم في إيجادها مما لا طائل، ولا جدوى منه.

‌ج- التأكيد على وحدة النص الأدبي ودراسته من دون أن نعمد إلى تفكيكه، ودراسة عناصره بصورة مستقلة لأن هذا يؤدي إلى ضياع المراد، وطمس معالم الإبداع الحقيقي.

‌د- دراسة المقومات الأسلوبية التي تكون منها النص الأدبي، والحكم عليها بلاغيا ونقديا باستعمال المصطلحات التي ألفها العربي، من دون إقحام مصطلحات غربية تنوء بحملها آذان السامع، لأن الغاية من الدراسة الأسلوبية هي الحكم على النص، وتقديمه مقروءا أو مسموعا إلى المتلقي، فلا بد من أن تكون لغة الدراسة مفهومة بتحقيق نوع من الأرضية المشتركة بين المنشئ والمتلقي.

‌هـ - وأخيرا يرى الباحث أن تبقى الأسلوبية على ما نقرؤها في دراسات القدماء وما نجده في دراسات المحدثين فنّا يتصل بالحياة، وعلما يتمشى مع الذوق، ومسألة تحقق الطموح، والإحساس بالجمال.

***

د. عدنان عويّد

كاتب وباحث من سوريا

...................

هوامش البحث

(1) ينظر: البيان والتبيين: 1 /92.

(2) النقد الأدبي الحديث: 116

(3) لسان العرب: سَلَبَ.

(4) الشعر والشعراء: 1/ 75، ينظر: تأويل مشكل القرآن: 10

(5) ينظر الوساطة بين المتنبي وخصومه: 17.

(6) المصدر نفسه:24

(7) ينظر: حلية المحاضرة: 1 /124.

(8) ينظر: بيان إعجاز القرآن: 65،66.

(9) ينظر: إعجاز القرآن: 175.

(10) ينظر: العمدة في صناعة الشعر وآدابه ونقده: 1/257.

(11) دلائل الإعجاز: 411.

(12) المصدر نفسه: 411.

(13) المصدر نفسه: 412.

(14) ينظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: 1/10.

(15) ينظر: مفتاح العلوم: 95، 155.

(16) ينظر: الطراز: 1/158، 2/222.

(17) ينظر تناوله هذه الفنون: المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع.

(18) مقدمة ابن خلدون: 353.

(19) المصدر نفسه: 353.

(20) دفاع عن البلاغة: 68.

(21) الأسلوب: 44.

(22) النقد والحداثة: 54.

(23) الأسلوبية والأسلوب: 60.

(24) الأسلوب: 43.

(25) ينظر: مبادئ علم الأسلوب العربي:22.

(26) الأسلوب والأسلوبية: 9.

(27) المرجع نفسه:7

(28) المرجع نفسه: 88.

(29) المرجع نفسه: 86.

(30) المرجع نفسه: 70 نقلا عن درجة الصفر في الكتابة لرولان بارت: 12

(31) الأسلوب والأسلوبية: 22.

(32) المرجع نفسه:: 23.

(33) ينظر: مبادئ علم الأسلوب العربي: 23.

(34) ينظر: الأسلوب والأسلوبية: 13.

(35) ينظر مبادئ علم الأسلوب العربي: 23.

(36) ينظر البلاغة والأسلوبية: 31.

(37) ينظر: أدبية النص في البلاغة العربية: 109.

(38) ينظر: الأسلوب والأسلوبية: 5.

(39) ينظر: المرجع نفسه: 5.

(40) المرجع نفسه: 5.

(41) الأسلوبية والأسلوب: 34.

(42) ينظر: في النقد الأدبي الحديث: 40.

(43) ينظر: المرجع نفسه: 41.

(44) ينظر: الأسلوب والأسلوبية:37، الأسلوبية والأسلوب: 38، البلاغة والأسلوبية: 119.

(45) الأسلوب والأسلوبية: 37.

(46) ينظر: الأسلوبية والأسلوب: 36.

(47) المرجع نفسه: 36.

(48) ينظر: التركيب اللغوي للأدب: 101.

(49) الأسلوب والأسلوبية: (كراهام هاف): 38.

(50) المرجع نفسه: 72.

(51) والأسلوبية الأسلوب: 30.

(52) منهج التحليل اللغوي في النقد الأدبي:239.

(53) دليل الدراسات الأسلوبية: 7.

(54) الأسلوبية والأسلوب: 33.

(55) الأسلوب والأسلوبية: 5.

(56) المرجع نفسه: 6.

(57) المرجع نفسه: 6.

(58) المرجع نفسه: 6.

(59) المرجع نفسه: 8.

(60) انقد والأسلوبية: 16، ينظر: مجلة الفصول (مجـ5 / 1984): 216 –219.

(61) ينظر المرجع نفسه: 218 –219.

(62) ينظر البلاغة والأسلوبية: 128.

(63) ينظر: الأسلوب والأسلوبية: 32 – 74.

(64) ينظر: دليل الدراسات الأسلوبية: 7.

(65) الأسلوب والأسلوبية (هاف): 49.

(66) ينظر البلاغة والأسلوبية: 288-289.

(67) ينظر الأسلوبية والأسلوب: 109 – 110.

(68) تنظر هذه الدراسة في: النقد والحداثة: 61 –101.

(69) ينظر بغية الوعاة: 2/106

(70) إنباه الرواة على أنباه النحاة: 2/188.

(71) تنظر مقدمة دلائل الإعجاز: 12 – 13.

(72) الأسلوب والأسلوبية (هاف): 35.

(73) ينظر: دلائل الإعجاز: 94 –95.

(74) المصدر نفسه:360.

(75) المصدر نفسه: 469.

(76) المصدر نفسه: 461.

(77) المصدر نفسه: 98، ينظر 261.

(78) ينظر: المصدر نفسه: 117.

(79) ينظر: التفكير اللساني في الحضارة العربية: 190.

(80) ينظر: الأسلوب والأسلوبية (هاف): 22.

(81) دلائل الإعجاز: 257.

(82) في النقد الأدبي الحديث: 78.

(83) المرجع نفسه: 78.

(84) في الأدب والنقد: 138.

(85) أسرار البلاغة: 68.

(86) ينظر: المصدر نفسه: 69.

(87) في الشعرية: 133.

(88) المرجع نفسه: 133.

(89) ينظر: المرجع نفسه:133- 134.

(90) أسرار البلاغة: 29.

(91) لمصدر نفسه: 325.

(92) لأسلوب والأسلوبية (هاف): 23.

(93) لمرجع نفسه: 23.

(94) لمرجع نفسه: 21، ينظر: الاتجاه الأسلوبي في النقد الأدبي: 132، الأسلوبية ونظرية النص: 71، علم الأسلوب، مبادئه وإجراءاته: 94.

(95) دلائل الإعجاز: 419.

(96) المصدر نفسه: 251.

(97) المصدر نفسه: 425 –426.

(98) ينظر الصورة الفنية معيارا نقديا: 361 –433.

(99) ينظر: الصورة الفنية في المثل القرآني: 150 –221.

(100) دلائل الإعجاز: 377.

(101) المصدر نفسه: 364.

(102) المصدر نفسه:445.

(103) المصدر نفسه: 443-444.

(104) الموزانة بين الشعراء: 64.

(105) ينظر البلاغة والأسلوبية (بليث): 38.

(106) الأسلوب والأسلوبية (هاف): 25 – 26.

(107) دلائل الإعجاز: 90.

(108) المصدر نفسه: 91.

(109) المصدر نفسه: 92-93.

(110) المصدر نفسه:91 – 92.

(111) المصدر نفسه:116.

(112) المصدر نفسه:130-131.

(113) نثر ابي الفضل بن العميد دراسة أسلوبية: 103.

(114) النظرية النقدية عند العرب: 288.

(115) ينظر: الأمالي في الأدب الإسلامي: 52.

(116) دائرة المعارف الإسلامية: مادة بلاغة: 4/70.

المصادر والمراجع

1- الاتجاه الأسلوبي في النقد الأدبي/ د. شفيع السيد/ دار الفكر العربي/ القاهرة/ ط1/1986.

2- أدبية النص في البلاغة العربية في ضوء المشروع والمنجز من كتاب سر الفصاحة/محمد العمري/ دراسات أدبية ولسانية /العدد-4/ 1986.م.

3- أسرار البلاغة / عبد القاهر الجرجاني/ تعليق عبد العزيز النجار/ مصر / القاهرة/ 1977.م.

4- الأسلوب / أحمد الشايب/ مكتبة النهضة المصرية/ القاهرة/ مصر/ ط6/ 1966.م.

5- الأسلوب والأسلوبية/ بييرجيرو/ترجمة د. منذر عياشي/ مركز الإخاء القومي/ بيروت/ لبنان/ د. ت.

6- الأسلوبية والأسلوب/ عبد السلام المسدّي / الدار العربية للكتاب / ليبيا وتونس/ 1977.م.

7- الأسلوبية ونظرية والنص/ د. إبراهيم خليل/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت/ ودار الفارس للنشر والتوزيع/ عمان ط1/ 1997.

8- إعجاز القرآن/ ابو بكر محمد بن الطيب الباقلاني/ تحـ. أحمد الصقر/ دار المعارف/ القاهرة/ 1963.

9- الأمالي في الأدب الإسلامي/ د. ابتسام مرهون الصفار/ بغداد/ العراق/ د.ت.

10- انباه الرواة على أنباه النحاة/ القفطي/ تحـ. محمد أبو الفضل إبراهيم / القاهرة.

11- بغية الوعاة في أخبار النحاة/ جلال الدين السيوطي/ تحـ محمد أبو الفضل إبراهيم/ مطبعة عيسى البابي الحلبي/ القاهرة/ 1964.

12- البلاغة والأسلوبية/ د. محمد عبد المطلب/ الهيئة المصرية العامة للكتاب/ القاهرة/ 1984.

13- البلاغة والأسلوبية (نموذج سيميائي لتحليل النص) / هنريش بليث/ ترجمة محمد العمري/ منشورات دراسات ساك/ الدار البيضاء/ ط1/ 1989.م.

14- بيان إعجاز القرآن/ أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي/ تحـ. محمد خلف الله ود. محمد زغلول سلام/ دار المعارف/ القاهرة/ ط2/ 1968.

15- البيان والتبيين/ الجاحظ/ شرح وتحقيق عبد السلام هارون/ مكتبة الخانجي/القاهرة/ ط5/ 1985.م.

16- التركيب اللغوي للأدب/ د. لطفي عبد البديع/ مكتبة النهضة/ القاهرة/ ط1/ 1970.

17- التفكير اللساني في الحضارةالعربية/ د. عبد السلام المسدّي/ الدار العربية للكتاب/ تونس/ 1981.م.

18- حلية المحاضرة في صناعة الشعر/ الحاتمي/ تحـ د. جعفر الكتاني/ دار الحرية للطباعة/ بغداد/ 1979. م.

19- دائرة المعارف الإسلامية الألمانية/ أمين الخولي/ بحث/ ترجمة الدكتور عبد الحميد يونس وجماعته/ اوفسيت/ 1933.م.

20- دفاع عن البلاغة/ أحمد حسن الزيات/ عالم الكتب/ بيروت/ لبنان/ ط2/ 1967.م.

21- دلائل الإعجاز/ عبد القاهر الجرجاني/ تحـ. د. محمد رضوان الداية وفايز الداية/ مكتبة سعد الدين/ دمشق/ ط2/ 1987.م.

22- دليل الدراسات الأسلوبية/ د. جوزيف ميشال شريم/ المؤسسة الجامعية للدراسات/ بيروت/ لبنان/ ط1/1999.

23- الشعر والشعراء/ ابن قتيبة/ تحـ. أحمد محمد شاكر/ دار المعارف/ القاهرة / مصر.

24- الصورة الفنية في المثل القرآني/ محمد حسين علي الصغير/ دار الرشيد للنشر/ بغداد/ العراق/ 1981.م.

25- الصورة الفنية معيارا نقديا/ د. عبد الإله الصائغ/ دار الشؤون الثقافية/ بغداد/ العراق/ 1987.

26- الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز/ العلوي/ تصحيح سيد علي العرضي/ دار الكتب الخديوية/ مطابع المقتطف/ القاهرة/ مصر/ 1914.

27- علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته/د. صلاح فضل/ مؤسسة مختار للنشر والتوزيع/ القاهرة/ مصر/ د.ت.

28- العمدة في صناعة الشعر وآدابه ونقده/ ابن رشيق القيرواني/ تحـ محمد محي الدين عبد الحميد/ دار الجيل/ بيروت/ لبنان/ ط4/1972.م.

29- في الأدب والنقد/ محمد مندور/ مكتبة النهضة/مصر/ القاهرة/ ط5/د.ت

30- في النقد الأدبي الحديث/ د. فائق مصطفى ود. عبد الرضا علي/ دار الكتب/ جامعة الموصل/ ط2/ 2000.م.

31- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل/ جار الله الزمخشري/ المكتبة التجارية الكبرى/ القاهرة/ ط1/ 1354هـ.

32- لسان العرب/ ابن منظور الأفريقي المصري/ دار صادر ودار بيروت/ لبنان/ 1955.م.

33- مبادئ علم الأسلوب العربي/ شكري محمد عياد/ مطبعة انترناشيونال بريس/ ط1/1988م.

34- مجلة فصول/ المجلد-5/الجزء-1/ السنة 1984.م.

35- مفتاح العلوم/ السكاكي/ صححه احمد سعد علي/ مطبعة مصطفى البابي/ القاهرة/ مصر. ط1/ 1937.م.

36- مقدمة ابن خلدون/ ابن خلدون/ تحـ. حجر عاصي/ منشورات دار ومكتبة الهلال/ بيروت/ لبنان/ 1988.

37- المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع/ السجلماسي/ تحـ. غلال الغازي/مكتبة المعارف/ الرباط/ المغرب/ 1980.م.

38- منهج التحليل اللغوي في النقد الأدبي/ سمير شريف/ مجلة آداب المستنصرية/ ج16/ 1988.

39- الموازنة بين الشعراء/ د. زكي مبارك/ القاهرة/ مصر/ ط2/ 1936.م.

40- نثر ابي الفضل بن العميد، دراسة أسلوبية/ محمد حسين عبد الله المهداوي/ رسالة ماجستير/ جامعة القادسية/ 2004م.

41- النظرية النقدية عند العرب/ د. هند حسين طه/ دار الرشيد للنشر/ بغداد/ 1981.م.

42- النقد الأدبي الحديث/ محمد غنيمي هلال/ بيروت/ 1972. م.

43- النقد والأسلوبية/ عدنان بن ذريل/ منشورات اتحاد الكتاب العرب/ 1989.

44- النقد والحداثة/عبد السلام المسدّي/ دار الطليعة للنشر/ بيروت/ لبنان/ ط1/ 1983.م.

45- الوساطة بين المتنبي وخصومه/ علي بن عبد العزيز الجرجاني/ تحـ. محمد أبو الفضل إبراهيم/ ط3/ القاهرة/ مصر.

في المثقف اليوم