قضايا
شيماء هماوندي: العلاج الفلسفي طريق نحو السلام النفسي
يعاني الإنسان المعاصر من العديد من المشكلات الفكرية والأزمات الوجودية، التي تؤدي به الى الخوف والقلق والتوتر، وتعيق تقدمه في الحياة، وتؤثر على حياته، وصحته النفسية والجسدية، فالإنسان المعاصر هو إنسان مرهق فكرياً، والعلاج الدوائي لايكون دائما هو الحل الأمثل للأشخاص الإصحاء الذين يعانون من مشكلات فكرية، لأن كل مايحتاجه الإنسان المرهق فكرياً هو فهم مشكلته، وتحليلها، ومعرفة جذور المشكلة، وأسبابها، ومن ثم إيجاد الحلول المناسبة لها، من أجل الوصول للسعادة والهدوء والطمأنينة والسلام، وتعد الفلسفة منذ القدم من أهم الأدوات التي تساعدنا على فهم الحياة، وتحقيق السلام النفسي، ولقد تحدث العديد من الفلاسفة القدماء مثل (سقراط، أفلاطون، آرسطو، أبيقور، والرواقية) عن دور الفلسفة في معالجة مشكلات الإنسان الحياتية، ومد يد العون له، من أجل الوصول للسعادة والسلام النفسي والفكري، فالفلسفة هي البحث عن الحكمة والمعنى، وهي تساعدنا على فهم أنفسنا والعالم من حولنا بشكل أفضل من خلال تطوير الوعي الذاتي، والقدرة على فهم أنفسنا ومشاعرنا وأفكارنا، لأننا عندما نكون أكثر وعياً بأنفسنا، وبوجودنا، نكون أكثر قدرة على التحكم في حياتنا، ومعالجة مشكلاتنا الحياتية، وإتخاذ القرارات التي تتناسب مع قيمنا وأهدافنا، وتطوير القدرة على التفكير النقدي والتحليلي.
ومن أبرز الحلول التي تقدمها الفلسفة هي (التقبل)، حيث تساعدنا الفلسفة على تقبل الحياة كما هي، وتقبل وجودنا فيها، دون مقاومة أو رفض، هذا التقبل يساعدنا على تحقيق السلام النفسي، لأنه يزيل القلق والتوتر الذي يأتي من محاولة تغيير الأشياء التي لايمكن تغييرها.
وتساعدنا الفلسفة على إيجاد (المعنى في الحياة)، حيث أن الإنسان عندما يجد المعنى في حياته، ويدرك دوره في الحياة ويشعر بأهمية وجوده، يصبح أكثر سعادة ورضا، فالفلسفة تساعدنا على فهم أن الحياة لها معنى.
إن العلاج الفلسفي لمشكلات الإنسان المعاصر، هو ليس علاجاً بالمعنى الحرفي لكلمة علاج ، بل هوعملية تطوير للفكر الإنساني وتحفيزه لتغيير الأفكار السلبية، والتخلص منها وإستبدالها بافكار إيجابية تساعده على التخلص من التوتر، والقلق، والخوف، والحزن، وبالتالي الوصول الى السلام النفسي، فالفلسفة تعمل على تحقيق السلام الداخلي، والنفسي، من خلال تطوير الوعي الذاتي، والتقبل، وإيجاد المعنى، والتحرر من الخوف الداخلي، فالفلسفة هي رحلة نحو الإكتفاء الداخلي، والتحرر من الإضطرابات الفكرية و المخاوف الوجودية، وهي تساعدنا على فهم أنفسنا والعالم من حولنا، وعندما نطبق الفلسفة في حياتنا نكون أكثر سعادة ورضا، ونكون أكثر قدرة على تحقيق أهدافنا.
الفلسفة والتحرر من الخوف
يعد (الخوف) من أكبر العوائق التي تمنعنا من تحقيق السلام النفسي، ولقد كان دور الفلسفة منذ القدم هو مساعدتنا على فهم أن الخوف هو نتيجة الجهل، فالإنسان بطبيعته يخشى مايجهله، لذلك كان الفيلسوف اليوناني (سقراط ) من أوائل الذين كانوا ينادون بالمعرفة، بإعتبارها فضيلة وقوة، ومقولته الشهيرة (إعرف نفسك) إنما هي دعوة لنبذ الجهل والسعي وراء المعرفة، وإدراك ضرورة أن يبدأ الإنسان أولاً بمعرفة نفسه، و حدود فهمه وإدراكه، وأن يسعى لتطويرها، قبل أن يسعى لفهم العالم، إذ أن إدراك الإنسان لذاته ومعرفة حقيقتها هو طريق لمعرفة العالم من حوله، والسعي وراء المعرفة هو فضيلة، وقوة، تمكن الإنسان من التغلب على الخوف، والتحرر من القلق، وبالتالي تحقيق السعادة، والوصول الى السلام النفسي.
***
شيماء هماوندي - أستاذة الفلسفة والعلاج الفلسفي
أربيل/ جامعة صلاح الدين/ كلية الآداب/ قسم الفلسفة






