قراءات نقدية
عماد خالد رحمة: تأويلٌ نفسي - أسلوبي في معمارية العشق والغياب "حافية القدمين"..

للشاعرة الدكتورة ليلى الصيني.. دراسة نقدية
نقف أمام قصيدة "حافية القدمين" للشاعرة السورية الدكتورة ليلى الصيني، لا بوصفها نصاً شعرياً صرفاً فحسب، بل كبنية رمزية كثيفة تُعبّر عن تجربة أنثوية معقّدة تجمع بين الانكسار والبعث، بين الموت الرمزي والانبعاث الوجداني، بين التصوّف العشقي والتحرّر الوجودي. هي قصيدة تفيض بلغةٍ مشحونةٍ بالعاطفة، متينة في تركيبها الأسلوبي، ومليئة بالإشارات النفسية والرمزية والهيرمينوطيقية.
ففي مجال القراءة الأسلوبية – هندسة البوح وتراكيب الإيقاع تعتمد القصيدة على إيقاع داخلي غني، لا يُبنى على الأوزان التقليدية، بل يستند إلى الانفعالات اللغوية وترددات الصوت والهمس. تُكرّر الشاعرة لفظ "وحدك" لتأكيد التفرّد والتوحّد في المعشوق، كما تستثمر التكرار العاطفي في عبارات مثل:
"وحدك الفارس الذي تجاوز سرعة الضوء".
كما تقول:
"وحدك الذي خلع الدجى بفجر الحلم".
يخلق هذا التكرار لُحمة إيقاعية تبني صورة المُخلّص. كما تُوظف مفردات ذات بعد زمني ومكاني (أيلول، سدرة المنتهى، المطر، الدجى، فجر) لتوسيع الأفق الدلالي.
أما في مجال القراءة النفسية – نجظ أنّ المعشوق كمخلّص والمعشوقة كذات جريحة تتجلى في النص ثنائية اللاوعي والوعي، عبر بروز المعشوق بوصفه "الفارس المنتظر" الذي "أيقظها من الغفلة". هو ليس شهريار، ولا هي شهرزاد، بل كيانان يتجاوزان المرويات الذكورية التقليدية. تقول د. ليلى:
"كل جوارحي بايعتك أميراً لقلبي".
إنه فعل نفسي يعكس الحاجة إلى الاستسلام المشروط لحضور مَن يحرّرها من الخيبة والوحدة والذاكرة الجريحة. المعشوق هنا يتجسد في صورة الأب/الحبيب/المخلّص، وهي صورة مركّبة تنتمي إلى منهج علم النفس الجمعي وتنتمي إلى أرشيف الوعي الجمعي الأنثوي.
في سياق القراءة الرمزية – الأسطورة، الطفولة، والنار تنحت الشاعرة ليلى الصيني صورة البطلة التراجيدية التي "خرجت من معبد العشق حافية القدمين"، وقد "شيّعت كل الأحلام ذات حين"، و"كتبت على جدار الصمت تعويذة". هذا الخروج الأسطوري يجعلها كاهنة عصرية رفضت عبودية الحب فاختارت عري التحرّر. الحذاء هنا رمز الطفولة المهدورة، والحبّ إله مُحطّم، والمطر رفيق البقاء، تقول .
"صداقة الريح واتخذت المطر خليلا".
إنها استعارات كونية تُشير إلى علاقة الذات بالكون كبديل عن الحبيب المخذول.
ما سبق يدفعنا لإجراء قراءة هيرمينوطيقية للقصيدة ومعرفة كنه ومستوى اللغة كأداة خلاص وتأويل في سياق هرمنيوطيقي، فوجدنا أنّ اللغة تعمل كوسيط بين المعنى والوجود، بين الداخل والآخر. النصّ لا يُكتَب لمجرد البوح، بل بوصفه محاولة لإنقاذ الذات عبر الكتابة. لذا تقول:
"الله الله الله .... قد أفلح صوتك حين أيقظني من غفلتي".
هذا الاستدعاء الصوفي للاسم الإلهي ثلاثاً، يعكس تأويلاً روحياً لحظة التنوير. فالمعشوق صار مرآة نور، لا جسداً ولا ظلّاً، بل صوتاً داخلياً أيقظ الحضور من غيبوبته الوجودية.
أخيراً .
نجد النصّ كعتبة خلاص في "حافية القدمين"، لذا نحن إزاء نصّ شاعريّ فلسفيّ وجدانيّ، يُعيد تمثيل الذات الأنثوية لا بوصفها تابعة، بل ككاهنة تخوض طقوس الانعتاق من الحكاية، من الألم، من شهريار. القصيدة حفر في اللغة والمجاز، تأويل للهوية الأنثوية داخل عالمٍ مليءٍ بالخسارات، حيث يأتي الحبُّ لا كحكاية بل كخلاص، لا كامتلاك بل كتحوّل.
وبذلك يتحوّل النص من مجرد اعتراف عاطفي إلى رؤية شعرية تأويلية، تقيم حواراً بين الجسد والروح، بين الذات والعالم، بين الحب والحرية.
***
بقلم: عماد خالد رحمة - برلين
......................
حافية القدمين
خذني بيديك .. لا تذرني
سر بي حيث سدرة المنتهى
حيث ينمو العشق من بين أصابع الزنبق
خيوط حرير ...
إرسمني على الورق الأصفر في أيلول
لملم شتاتي شكلني طائرة ورق
وانفخ بي روحك
دعني أحلق فوق مدينة الأحلام قصة عشق
*
أنا إمرأة لم أتبهرج بألوان الكلمات
ولم أخض بقواميس السحر
وحدك الفارس الذي تجاوز سرعة الضوء
لتشعل ألف لهفة في محراب انزوائي
وحدك الذي رفع راية العشق على جسدي المحرر
من عبودية أزمنتي
وحدك الذي خلع الدجى بفجر الحلم
وأشرع أبواب قلبي الموصدة
ولج عرش النبض فاتحاً محرراً
وتخطى حدود المعقول واللا معقول
بحضور مهيب
ألقى خطبته العصماء
فتلقفتها عيناي بشغف ونشوة
بنكهة فرحي ...
كل جوارحي بايعتك أميراً لقلبي
وبقبلات العشق مهرت صك إقراري
إنك فارسي المنتظر
لست شهريار ولا أنا شهرزاد
وما أغريتك بألف ألف قصة لأذوب شهداً في فمك
كل ما تعلمه إني ليلى ..
أنثى شيعت كل الأحلام ذات حين
كتبت على جدار الصمت تعويذة .. وحذاء طفلة ماتت من سنين
طوت دفاتر التاريخ ... حطمت إله الحب
وخرجت من معبد العشق حافية القدمين
صداقة الريح واتخذت المطر خليلا
هل أتيت .؟؟
لتحررني من قبضة الريح
لتأخذ بيدي بعد موت أحلامي
أغرك جفاف شفتاي .. في زمن المكياج
أم أغرتك عيناي الحالمتان بصمت
وشمعة توقد على روح الياسمين ؟!
كيف نفذت إلى أنفاسي كشراب التوت
كيف أخرجتني من بوتقة الحزن
وسكبت ماءً بارداً كي أستفيق
الله الله الله .... قد أفلح صوتك
حين أيقظني من غفلتي لأبصر النور